لِأَنَّهُ يَفْتَتِحُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَبِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَتُسَمَّى الْحَمْدَ وَالسَّبْعَ الْمَثَانِيَ وَأُمَّ الْكِتَابِ وَالرَّاقِيَةَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالْأَسَاسَ، وَالصَّلَاةَ، وَأُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ - تَقْرِيرًا - أُمُورُ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَإِثْبَاتُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى الرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ " وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ، " وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " يَدُلُّ عَلَى نَفِي الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَعَلَى أَنَّ كُلًّا بِقَضَاءِ اللَّهِ " وَاهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " إلَى آخِرِهَا: يَدُلُّ عَلَى النُّبُوَّاتِ وَتُسَمَّى: الشِّفَاءَ وَالشَّافِيَةَ، وَالسُّؤَالَ، وَالدُّعَاءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا أَوْدَعَ فِيهِ مَعَانِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّلَةً مُعَرَّبَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: ٤] وَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ (يَقِفُ فِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ) لِقِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَإِنْ) أَيْ: وَلَوْ (كَانَتْ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُولَى مُتَعَلِّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ) كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَعْدَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (أَوْ) كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَا (غَيْرَ ذَلِكَ) التَّعَلُّقِ، كَتَعَلُّقِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ، كَصِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ، بَعْدَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
(وَيُمَكِّنُ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ) وَهِيَ الْأَلِفُ اللَّيِّنَةُ وَالْوَاوُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا، وَالْيَاءُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: ٤] (مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ) التَّمْكِينُ (إلَى التَّمْطِيطِ) فَيَتْرُكُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْفَاتِحَةُ (أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ) وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ» (وَأَعْظَمُ آيَةٍ فِيهِ) أَيْ: الْقُرْآنِ (آيَةُ الْكُرْسِيِّ) كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُ: يُؤْخَذُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَعَانِي وَالْبَلَاغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْجَمِيعِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّفَضُّلَ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ لَا بِالذَّاتِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ " أَنَّهَا - آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ.
(وَفِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) وَذَلِكَ فِي: لِلَّهِ، وَرَبِّ، وَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالدِّينِ، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكَ، وَالصِّرَاطِ، وَاَلَّذِينَ، وَفِي الضَّالِّينَ ثِنْتَانِ.
وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَفِيهَا ثَلَاثُ تَشْدِيدَاتٍ (فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ، بِأَنْ قَدَّمَ بَعْضَ الْآيَاتِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا شَرْطُ صِحَّةِ قِرَاءَتِهَا فَإِنَّ مَنْ نَكَّسَهَا لَا يُسَمَّى قَارِئًا لَهَا عُرْفًا وَقَالَ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي: وَإِنْ قَدَّمَ آيَةً مِنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute