للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْقِرَاءَةِ (فَالْقَارِئُ الْأَفْقَهُ، ثُمَّ الْقَارِئُ الْفَقِيهُ ثُمَّ الْقَارِئُ الْعَارِفُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ الْأَفْقَهُ) وَالْأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ أُمِّيًّا، إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ، لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءٌ فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَمِنْ شَرْطِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فِقْهَ صَلَاتِهِ) وَمَا يَحْتَاجُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُؤْمَنَ أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهَا (حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ (وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْفَقِيهَيْنِ) الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ (أَفْقَهَ أَوْ أَعْلَمَ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ قُدِّمَ) ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُؤَثِّرُ فِي تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ (وَيُقَدَّمُ قَارِئٌ لَا يَعْلَمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ عَلَى فَقِيهٍ أُمِّيٍّ) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ،؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ يُقَدَّمُ (الْأَسَنُّ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَيَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَالْأَوْلَى (الْأَشْرَفُ وَهُوَ مَنْ كَانَ قُرَشِيًّا) إلْحَاقًا لِلْإِمَامَةِ الصُّغْرَى بِالْكُبْرَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَوْلُهُ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَالشَّرَفُ يَكُونُ بِعُلُوِّ النَّسَبِ.

(فَتَقَدَّمَ مِنْهُمْ بَنُو هَاشِمٍ) لِقُرْبِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) كَبِنَى عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ (ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً بِسَبْقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا) وَعُلِمَ مِنْهُ بَقَاءُ حُكْمِ الْهِجْرَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» فَالْمَعْنَى: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ (وَمِثْلُهُ السَّبْقُ بِالْإِسْلَامِ) فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ إذَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْهِجْرَةِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَا بِدَارِ إسْلَامٍ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ مُسْلِمًا أَيْ إسْلَامًا» ، وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ كَالْهِجْرَةِ (ثُمَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] فَيُقَدَّمُ عَلَى الْأَعْمَرِ لِلْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ هُوَ الْخُضُوعُ، وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ أَقْرُبُ إلَى ذَلِكَ.

قَالَ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: الْوَرَعُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ زَادَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْوَى وَالزُّهْدِ فِي الْخُطْبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>