الصَّبِيُّ (وَلَوْ بَقِيَ) بَعْدَ الطُّهْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِفَاقَةِ وَالْبُلُوغِ (دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ الْقَصْرِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ عَاصِيًا بِهِ، ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ إذَا تَابَ إلَّا إذَا بَقِيَ سَفَرُهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الْقَصْرِ بَعْدَ وُجُودِ مَا سَبَقَ اعْتِبَارُهُ إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً يَجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ الْأُولَى مِنْهَا، أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَرَّ) الْمُسَافِرُ (بِوَطَنِهِ) أَتَمَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِوَطَنِهِ حَاجَةٌ سِوَى الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ طَرِيقُهُ إلَى مَا يَقْصِدُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ بِهِ إذْ ذَاكَ.
الثَّانِيَةُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مَرَّ (بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ امْرَأَةٌ) أَتَمَّ وَلَوْ لَمْ يُفَارِقْ وَطَنَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مَرَّ بِبَلَدٍ (تَزَوَّجَ فِيهِ أَتَمَّ) أَتَمَّ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ الَّذِي تَزَوَّجَ فِيهِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ أَقَارِبُ كَأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُمْنَعْ عَلَيْهِ الْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَبَقَ.
(وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ) وَهُمْ مَنْ دُونِ الْمَسَافَةِ مَنْ مَكَّةَ (إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ) لِلسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ لِعَدَمِ الْمَسَافَةِ (فَهُمْ فِي) اعْتِبَارِ (الْمَسَافَةِ كَغَيْرِهِمْ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَمَثَلُهُمْ مَنْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةً كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ بِمَكَّةَ وَلَا مِنًى وَلَا عَرَفَةَ وَلَا مُزْدَلِفَةَ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمْ بِدُخُولِ مَكَّةَ إذْ الْحَجُّ قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يَأْتِي.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فِي نِيَّتِهِ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ لَمْ يَقْصُرْ بِعَرَفَةَ (لَكِنْ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ فَلَا يُقِيمُ بِهَا) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (فَهَذَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ) أَيْ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى (؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْشَأَ السَّفَرَ إلَى بَلَدِهِ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ (وَالْقَصْرُ رُخْصَةً) ؛ لِأَنَّ سَلْمَانَ بَيَّنَ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» .
(وَهُوَ) أَيْ الْقَصْرُ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاوَمَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute