فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ «صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ وَوَجْهُهُ: كَوْنُهُ إنْكَاءً لِلْعَدُوِّ وَأَقَلَّ فِي الْأَفْعَالِ وَأَشْبَهَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْوَطَ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا صَلَّى بِ) الطَّائِفَةِ (الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) ، وَبِالطَّائِفَةِ (الثَّانِيَةِ رَكْعَةً) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّفْضِيلِ فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ.
(وَلَا تَتَشَهَّدُ) الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ (مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (عَقِبَهَا) أَيْ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِتَشَهُّدِهَا بِخِلَافِ الرُّبَاعِيَّةِ (وَيَصِحُّ عَكْسُهَا) بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَةً، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ (نَصًّا) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكَعَاتِ، لِيَحْصُلَ الْجَبْرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُصَلِّي جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ وَالْأُولَى تَفْعَلُ مَا بَقِيَ مُنْفَرِدَةً.
(وَإِنْ كَانَتْ) الصَّلَاةُ (رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) لِيَحْصُلَ الْعَدْلُ بَيْنَهُمْ.
(وَلَوْ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا صَحَّ، وَتُفَارِقُهُ) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ وَالرُّبَاعِيَّةِ عِنْدَ فَرَاغِ التَّشَهُّدِ) الْأَوَّلِ.
(وَيَنْتَظِرُ الْإِمَامُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ) الْأَوَّلَ إلَى أَنْ تَحْضُرَ (فَإِذَا أَتَتْ قَامَ) لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ مَتَى انْتَظَرَهُمْ قَائِمًا احْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تُحْرِمُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ الْوَجْهُ الثَّانِي: يُفَارِقُونَهُ حِينَ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْوِيلِ مِنْ أَجْلِ الِانْتِظَارِ، وَالتَّشَهُّدُ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ (فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ تَشَهَّدَتْ مَعَهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَالْمَسْبُوقِ، ثُمَّ قَامَتْ وَهُوَ جَالِسٌ، فَاسْتَفْتَحْت) وَتَعَوَّذَتْ (وَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا فَإِذَا تَشَهَّدَتْ سَلَّمَ بِهِمْ) .
وَلَا يُسَلِّمُ