إنْسَانٌ مَوْضِعَ حَلْقَتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ، لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُخَالِفُ إلَى مَقْعَدِهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: افْسَحُوا» وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ (إلَّا الصَّغِيرَ) حُرًّا، كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَيُؤَخَّرُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ.
(وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَخَّرَ مُكَلَّفًا وَجَلَسَ مَكَانَهُ، لِشِبْهِهِ الْغَاصِبَ (إلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) أَيْ لِغَيْرِهِ (بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ) لِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ.
لَكِنْ إنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ أُقِيمَ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَيُكْرَهُ إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلِ) وَيَتَحَوَّلُ إلَى مَا دُونَهُ (كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ) وَكَيَمِينِ الْإِمَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّغْبَةِ عَنْ الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ آثَرَ بِهِ وَالِدَهُ وَنَحْوَهُ وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) الْمَكَانَ الْأَفْضَلَ وَلَا رَدُّهُ قَالَ سِنْدِي: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَرَجَعَ إلَيْهِ (فَلَوْ آثَرَ) الْجَالِسُ بِمَكَانٍ أَفْضَلَ (زَيْدًا فَسَبَقَهُ إلَيْهِ عَمْرٌو حَرُمَ) عَلَى عَمْرٍو سَبْقُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وُسِّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ.
(وَإِنْ وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى الْخُصُومَةِ، وَقَاسَهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ (مَا لَمْ تَحْضُرْ الصَّلَاةُ) فَلَهُ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ.
وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِرَبِّهِ وَلَمْ يَحْضُرْ، (وَلَا الْجُلُوسُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهُ مَفْرُوشًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، صَحَّ النَّهْيُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: جَازَ وَصَحَّتْ وَلَعَلَّ مَا هُنَاكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، أَوْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى مُصَلَّاهُ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا هُنَا لِغَيْبَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ أَيْ الْمُصَلَّى (فَلَهُ فَرْشُهُ) وَإِلَّا كُرِهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute