(وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا: قَالَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ قَبْرًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالدَّفْنُ بِالنَّهَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلَ عَلَى مُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا، وَأَمْكَنُ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ وَلَحْدِهِ.
(وَيُكْرَهُ) الدَّفْنُ (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ) عِنْدَ (غُرُوبِهَا، وَ) عِنْدَ (قِيَامِهَا) لِقَوْلِ عُتْبَةَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَحِينَ تَتَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَى " تَتَضَيَّفُ " تَجْنَحُ وَتَمِيلُ لِلْغُرُوبِ مِنْ قَوْلِكَ تَضَيَّفْتُ فُلَانًا إذَا مِلْتَ إلَيْهِ.
(وَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا) أَيْ: بِالْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَكُونُ (دُونَ الْخَبَبِ) نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمَذْهَبِ: وَفَوْقَ السَّعْيِ وَفِي الْكَافِي: لَا يُفْرِطُ فِي الْإِسْرَاعِ فَيَمْخُضَهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعَهَا وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ يُرَاعِي الْحَاجَةَ نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «مَرَّ عَلَيْهِ جِنَازَةٌ تُمْخَضُ مَخْضًا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ أُسْرِعَ وَالْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ، وَهُوَ خَطْوٌ فَسِيحٌ، دُونَ الْعَنَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ فَسِيحٌ سَرِيعٌ (مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْإِسْرَاعِ، فَيَمْشِي بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهَا.
(وَاتِّبَاعُهَا) أَيْ: الْجِنَازَةُ (سُنَّةٌ) وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ: اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» (وَهُوَ) أَيْ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ (حَقٌّ لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَوْ قُدِّرَ لَوْ انْفَرَدَ، أَيْ: الْمَيِّتُ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْحَقَّ، لِمُزَاحِمٍ أَوْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، تَبِعَهُ لِأَجْلِ أَهْلِهِ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأْلِيفٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.
(وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِنْ الْجَبْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْصَرِفَ الثَّانِي: أَنْ يَتْبَعَهَا إلَى الْقَبْر ثُمَّ يَقِفَ، حَتَّى تُدْفَنَ الثَّالِثُ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ الدَّفْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute