وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ إسْرَاجُهَا) أَيْ: الْقُبُورِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلَوْ أُبِيحَ لَمْ يَلْعَنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَعَلَهُ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيعًا لِلْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَمُغَالَاةً فِي تَعْظِيمِ الْأَمْوَاتِ يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ.
(وَ) يَحْرُمُ (اتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا) أَيْ: الْقُبُورِ (وَبَيْنَهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَتَتَعَيَّنُ إزَالَتُهَا) أَيْ: الْمَسَاجِدِ، إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْقُبُورِ، أَوْ بَيْنَهَا (وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ لِابْنِ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةِ (لَوْ وُضِعَ الْمَسْجِدُ وَالْقَبْرُ مَعًا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي) بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ.
(وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ بِالنَّعْلِ فِيهَا) أَيْ: فِي الْمَقْبَرَةِ، لِمَا رَوَى بَشِيرُ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ «بَيْنَمَا أَنَا أُمَاشِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجُلٌ يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ، عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُهُ جَيِّد وَلِأَنَّ خَلْعَ النَّعْلَيْنِ أَقْرُبُ إلَى الْخُشُوعِ وَزِيُّ أَهْلِ التَّوَاضُعِ، وَاحْتِرَامُ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ (حَتَّى التَّمَشُّكُ - بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ) الْمُعْجَمَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: التَّمَشُّكُ (نَوْعٌ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ النِّعَالِ، فَيَتَنَاوَلُهُ مَا سَبَقَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِبَغْدَادَ (لَا) يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ (بِخُفٍّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَعْلٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَيَشُقُّ نَزْعُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِنَازَةِ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَأَمَّا وَطْءُ الْقَبْرِ نَفْسِهِ فَمَكْرُوهٌ مُطْلَقًا لِمَا سَبَقَ.
وَفِي عِبَارَةِ الْمُنْتَهَى إبْهَامٌ (وَيُسَنُّ خَلْعُ النَّعْلِ إذَا دَخَلَهَا) أَيْ: الْمَقْبَرَةَ، لِمَا سَبَقَ (إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ، كَحَرَارَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ (وَمَنْ سَبَقَ) إلَى مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ) عِنْدَ التَّزَاحُمِ وَضِيقِ الْمَحَلِّ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي رِحَابِ الْمَسَاجِدِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ (وَيُقْرَعُ إنْ جَاءَا مَعًا) فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ.
(وَلَا بَأْسَ بِتَحْوِيلِ الْمَيِّتِ وَنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ بَعِيدًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ، وَمُجَاوِرَةِ صَالِحٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute