«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ، لَمَّا رُفِعَ إلَيْهِ ابْنُ بِنْتِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ أَيْ: لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ مَا أُلْقِيَ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ قَالَ لَهُ سَعْدُ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ؟ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ حَظِّهِ مِنْهُ وَقَالَ فِي الْفُرْقَانِ: الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ ذَكَر فِي الرِّضَا قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ، لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى.
(وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَهُوَ الْبُكَاءُ، مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنَ الْمَيِّتِ) بِلَفْظِ النِّدَاءِ، مَعَ زِيَادَةِ الْأَلْفِ وَالْهَاءِ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِهِ: وَا سَيِّدَاهْ وَا جَبَلَاهْ وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاهْ.
(وَلَا) تَجُوزُ (النِّيَاحَةُ وَهِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ بِرَنَّةٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ «أَخَذَ عَلَيْنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ ".
(وَلَا) يَجُوزُ (شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الصُّرَاخِ وَخَمْشِ الْوَجْهِ) وَتَسْوِيدِهِ (وَنَتْفِ الشَّعْرِ وَنَشْرِهِ وَحَلْقِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِيهِمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ " فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَيُقَالُ: السَّالِقَةُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالسُّخْطِ مِنْ فِعْلِهِ.
وَفِي شَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (وَفِي الْفُصُولُ: يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ) أَيْ: تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ وَالْمَزَايَا (وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنْ الظَّالِمِ وَهُوَ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ.
(وَيُبَاحُ يَسِيرُ النَّدْبَةِ الصِّدْقِ، إذَا لَمْ يَخْرُجُ مَخْرَجَ النَّوْحِ وَلَا قَصْدَ نَظْمِهِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: يَا أَبَتَاهُ يَا وَلَدَاهُ وَنَحْو ذَلِكَ) هَذَا تَتِمَّةُ كَلَامِ الْفُصُولِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ: تَحْرِيمُهُ (وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ) فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِد عَلَى مَنْ أَوْصَى بِهِ لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِفِعْلِهِ فَخَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute