للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَقْفِ الْمَصَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] وَكَلِمَةُ " إنَّمَا " تُفِيد الْحَصْرَ، أَيْ تُثْبِتُ الْمَذْكُورِينَ وَتَنْفِي مَا عَدَاهُمْ، وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ بِأَلْ، فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُهَا، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا.

وَرُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى (وَسُئِلَ الشَّيْخُ عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ كُتُبًا لِلْعِلْمِ يَشْتَغِلُ فِيهَا؟ فَقَالَ: يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا) قُلْتُ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَصْنَافِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ، فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ، وَيَأْتِي: إذَا تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ أَعْطَى (أَحَدَهُمْ) أَيْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ (الْفُقَرَاءَ) بَدَأَ بِهِمْ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَلِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ.

(وَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمَسَاكِينِ) لِبُدَاءَةِ اللَّهِ بِهِمْ، وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَقَالَ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا، وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْكَنَةَ وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ فَقَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ مُشْتَقٌّ مِنْ فِقَرِ الظَّهْرِ فَقِيلَ: فَقِيرٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَفْقُورٍ وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ، فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] وَهُوَ الْمَطْرُوحُ عَلَى التُّرَابِ، لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ عَنْ الْفَقِيرِ بِالْمِسْكَيْنِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ هَذَا النَّعْتَ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ (وَالْفَقِيرُ: مَنْ لَا يَجِدُ شَيْئًا

<<  <  ج: ص:  >  >>