للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، وَعَلَامَاتِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهِ فَرُوِيَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَصَفَهُ لَهُ قَالَ: إنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَمَّا مُنِعُوا فَرْضَ الصَّدَقَةِ لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَجَبَ أَنْ يُنَزَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَفْلِهَا وَفَرْضِهَا لِشَرَفِهِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ تَمْيِيزًا لَهُ بِذَلِكَ كَمَا خُصَّ مَعَ خُمْسِ الْخُمْسِ بِالصَّفِيِّ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَبِالْإِسْهَامِ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ مِنْ الْمَغَانِمِ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ، وَلَا أَنْ يُهْدَى لَهُ أَوْ يُنْظَرَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يُوضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ يَأْوِيَ إلَى مَكَان جُعِلَ لِلْمَارَّةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» (وَ) لَبَنِي هَاشِمٍ غَيْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَخْذُ مِنْ (وَصَايَا الْفُقَرَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَمِنْ نَذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الزَّكَاةِ وَالطُّهْرَةِ وَالْوُجُوبُ عَنْ الْآدَمِيِّ أَشْبَهَ الْهِبَةَ وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ (كَفَّارَةٍ) لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ.

(وَلَا يَحْرُمُ) أَخْذُ الزَّكَاةِ (عَلَى أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ) وَلِلْأَصْحَابِ (كَمَوَالِيهِنَّ) لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَعَدَمُ الْمُخَصِّصِ.

وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ " أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ بِسُفْرَةٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتْهَا وَقَالَتْ: إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ وَلَمْ يُذْكَرْ مَا يُخَالِفُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَةُ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.

(وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ) أَوْ مَوَالِيهِ (مِمَّنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ لَهُ تَعْصِيبُ نَسَبٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>