وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا "، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا رُجِعَ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ "؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لَهُ، وَيَجِبُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَقَدْ خَالَفَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ» وَرِوَايَتُهُ أَوْلَى؛ لِإِمَامَتِهِ وَاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ذِكْرُ شَعْبَانَ فِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي إيَاسٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِيَوْمِ شَكٍّ كَمَا يَأْتِي (وَيُجْزِئُهُ) صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ حِينَئِذٍ (إنْ بَانَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَكَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ صِيَامَهُ وَقَعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ قِيلَ لِلْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يَجْزِمُ بِهَا فَقَالَ: لَا يُمْنَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ كَالْأَسِيرِ وَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ.
(وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتَهُ) إذَنْ (احْتِيَاطًا لِلسُّنَّةِ) قَالَ أَحْمَدُ: الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ (وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعُهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ وَنَحْوِهِ) كَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ، وَنَحْوِهِ لِتَبَعِيَّتِهَا لِلصَّوْمِ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ) بِأَنْ لَمْ يُزْمِعْ الصَّحْوُ هِلَالَ شَوَّالٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ) مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ.
(وَغَيْرِهَا) كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ خُولِفَ لِلنَّصِّ، وَاحْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ عَامَّةً.
" تَتِمَّةٌ " قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مَعَ الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مَعَ الْبُعْدِ لِاحْتِمَالِهِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الْمُرَادُ بِالْبُعْدِ الْبُعْدُ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ كَالْمَطْمُورِ وَالْمَسْجُونِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْلِعِ شَيْءٌ يَحُولُ، كَالْجَبَلِ وَنَحْوِهِ ".
(وَإِنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا) أَيْ: صَوْمَ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ) مِنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ، أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ، أَوْ حَيْلُولَةِ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ وَنَحْوِهِ (كَ) أَنْ صَامَهُ لِ (حِسَابٍ وَنُجُوم) وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُمَا (أَوْ مَعَ صَحْوٍ، فَبَانَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ) صَوْمُهُ، لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ لِمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.
(وَكَذَا لَوْ صَامَ) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ (تَطَوُّعًا فَوَافَقَ الشَّهْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارًا فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute