بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، (وَلَا يَبْطُلُ بِهِنَّ) أَيْ: بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ بِالصَّنْعَةِ (الِاعْتِكَافُ) كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ (فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ مَكَانًا لِلْمَعَايِشِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ (وَقُعُودُ الصُّنَّاعِ وَالْفَعَلَةِ فِيهِ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يُكْرِيهِمْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْبَضَائِعِ فِيهِ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يَشْتَرِيهَا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ) كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، (وَإِنْ وَقَفُوا) أَيْ الصُّنَّاعُ وَالْفَعَلَةُ (خَارِجَ أَبْوَابِهِ) يَنْتَظِرُونَ مَنْ يُكْرِيهِمْ (فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ.
قَالَ (الْإِمَامُ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: (لَا أَرَى لِرَجُلٍ) وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ (إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ وَلِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] .
(وَ) يَجِبُ أَنْ (يُصَانَ) الْمَسْجِدُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ لِتَحْرِيمِهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُكْرَهُ الْيَسِيرُ) مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَسْجِدِ (لِغَيْرِ التَّكَسُّبِ كَرَقْعِ ثَوْبِهِ وَخَصْفِ نَعْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي) أَنْ يَتَعَهَّدَ (الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ وَنَحْوِهِ) كَرَشٍّ (أَوْ لَمْ يَكُنْ) كَذَلِكَ (وَيَحْرُمُ) فِعْلُ ذَلِكَ (لِلتَّكَسُّبِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا الْكِتَابَةَ، فَإِنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ سَهَّلَ فِيهَا وَلَمْ يُسَهِّلْ فِي وَضْعِ النَّعْشِ فِيهِ، قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ: لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ) ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّقَيُّدَ بِمَا لَا يَكُونُ تَكَسُّبًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَظَاهِرُ مَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ: التَّسْهِيلُ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَتَكْثِيرِ كُتُبِهِ.
(وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ الْكِتَابَةَ فِيهِ) بِالْأَجْرِ قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ بِحِبْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ) الْمَسْجِدُ (عَنْ صَغِيرٍ لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ) (وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ مَجْنُونٍ حَالَ جُنُونِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ.
(وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ لَغَطٍ وَخُصُومَةٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا) ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ.
(وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ رَفْعِ الصِّبْيَانِ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّعِبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ: مِنْ الْغِنَاءِ وَالتَّصْفِيقِ وَالضَّرْبِ بِالدُّفُوفِ، وَيُمْنَعُ فِيهِ اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute