الْعُمْرَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ: الْمِيقَاتِ الْأَصْلِيِّ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ) الَّذِي أَفْسَدَهُ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إذَنْ لِفَوَاتِ الشَّرْط الرَّابِعِ.
(وَيُسَنُّ لِمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا فَسْخَ نِيَّتُهُمَا بِالْحَجِّ وَيَنْوِيَانِ) بِإِحْرَامِهِمَا ذَلِكَ (عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَإِذَا فَرَغَا مِنْهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (وَحَلَّا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ مَا لَمْ يَكُونَا سَاقَا هَدْيًا) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يُحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْك حَسَنٌ جَمِيلٌ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ تَقُولُ: بِفَسْخِ الْحَجِّ قَالَ كُنْتُ أَرَى لَك عَقْلًا عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا جِيَادًا صِحَاحًا كُلَّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؟ وَقَدْ رَوَى فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَأَحَادِيثُهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
وَرَوَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ ثُمَّ قَالَ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا» وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَسْخَ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ لَا إبْطَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا قَالَهُ الْقَاضِي فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فِعْلَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ قِيلَ مَنَعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا بُدَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لِيَسْتَفِيدَ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ أَحْرَمَ بِهِ.
وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدَّمَ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ حَصَلَ عَلَى صِفَةٍ يَصِحُّ مِنْهُ التَّمَتُّعُ؛ وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِيرُ حَجًّا وَالْحَجُّ يَصِيرُ عُمْرَةً كَمَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ سَاقَا الْهَدْيَ لَمْ يُفْسَخَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ «إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» (أَوْ) يَكُونَا (وَقَفَا بِعَرَفَةَ) فَلَا يُفْسَخَانِ فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَتَى بِمُعْظَمِ الْحَجِّ وَأَمِنَ مِنْ فَوْتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَلَوْ فَسَخَا فِي الْحَالَتَيْنِ) أَيْ: فِيمَا إذَا سَاقَا هَدْيًا أَوْ وَقَفَا بِعَرَفَةَ (فَلَغْوٌ) لِمَا سَبَقَ وَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى نُسُكِهِمَا الَّذِي أَحْرَمَا بِهِ.
(وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحِلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (فَيُحْرِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute