وَالتَّكْرِيمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ كَقَطْرَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الصَّانِعِ جَلَّ شَأْنُهُ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ سَتَقِفُ عَلَيْهِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَرَّحَ بِالِاعْتِرَاضِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ «يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَإِذَا شِئْت قَبَضَتْهُمَا» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمْ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ» . وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «اسْتَقْرَضْت عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَشَتَمَنِي عَبْدِي وَهُوَ لَا يَدْرِي، يَقُولُ وَادْهَرَاهُ وَادْهَرَاهُ، وَأَنَا الدَّهْرُ» .
إلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبٍ عَنْ الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ تَبَرُّمٍ وَلَا انْزِعَاجٍ، بَلْ يُبْدِي الْحِكْمَةَ وَيُسْنِدُ الْفِعْلَ لِلَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِ حُسَيْنٍ الْمَمْلُوكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
كَمْ مِنْ جَهُولٍ فِي الْغِنَى مُكْثِرُ ... وَمِنْ عَلِيمٍ فِي عَنَاءٍ مُقِيمُ
قَدْ حَارَتْ الْأَفْكَارُ فِي سِرِّ ذَا ... وَطَاشَتْ النَّاسُ فَقَالَ الْحَكِيمُ
لَا يُسْأَلُ الْخَلَّاقُ عَنْ فِعْلِهِ ... ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمُ
وَأَمَّا مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى اللَّهِ فَقَدْ عَدِمَ التَّوْفِيقَ، وَخَلَعَ عَنْ عُنُقِهِ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّصْدِيقِ، فَهُوَ مُضِلٌّ ضَالٌّ زِنْدِيقٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute