وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمُنْقَسِمَةٌ إلَى قَوْلٍ وَحَالٍ. أَمَّا الْحَالُ فَإِنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَقَلَّبُ عَلَى رِمَالٍ وَحَصِيرٍ تُؤَثِّرُ فِي جَنْبَيْهِ، فَبَكَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ «كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ. فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفِي شَكٍّ أَنْتَ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا» .
وَأَمَّا الْقَوْلُ فَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تُسَاوِي عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» .
وَأَمَّا الْعَقْلُ فَإِنَّهُ يُقَوِّي عَسَاكِرَ الصَّبْرِ بِجُنُودٍ. مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدِي الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ بِحِكْمَةِ الْقَدَرِ. فَلَا أَتْرُكُ الْأَصْلَ الثَّابِتَ لِمَا يَظُنُّهُ الْجَاهِلُ خَلَلًا. وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ: مَا قَدْ اسْتَهْوَلْته أَيُّهَا؛ النَّاظِرُ مِنْ بَسْطِ يَدِ الْعَاصِي فَإِنَّهُ قَبْضٌ فِي الْمَعْنَى. وَمَا قَدْ أَثَّرَ عِنْدَك مِنْ قَبْضِ يَدِ الطَّائِعِ فَإِنَّهُ بَسْطٌ فِي الْمَعْنَى.
لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَسْطَ يُوجِبُ عِقَابًا طَوِيلًا. وَهَذَا الْقَبْضُ يُؤْثِرُ انْبِسَاطًا فِي الْأَجْرِ جَزِيلًا. فَزَمَانُ الرَّجُلَيْنِ يَنْقَضِي عَنْ قَرِيبٍ. وَالْمَرَاحِلُ تُطْوَى وَالرُّكْبَانُ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِاَللَّهِ كَالْأَجِيرِ. وَأَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ كَبَيَاضِ نَهَارٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْتَعْمَلِ فِي الطِّينِ أَنْ يَلْبَسَ نَظِيفَ الثِّيَابِ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَابِرَ سَاعَاتِ الْعَمَلِ فَإِذَا فَرَغَ تَنَظَّفَ وَلَبِسَ أَجْوَدَ ثِيَابِهِ. فَمَنْ تَرَفَّهَ وَقْتَ الْعَمَلِ نَدِمَ وَقْتَ تَفْرِيقِ الْأُجْرَةِ. وَعُوقِبَ عَلَى الْتَوَانِي فِيمَا كُلِّفَ.
فَهَذِهِ النُّبَذُ تُقَوِّي أَزْرَ الصَّبْرِ. قَالَ وَأَزِيدُهَا بَسْطًا فَأَقُولُ: أَتَرَى إذَا أُرِيدَ اتِّخَاذُ شُهَدَاءَ فَكَيْفَ لَا يَخْلُقُ أَقْوَامًا يَبْسُطُ أَيْدِيَهُمْ لِقَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ.
أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ لِعُمَرَ إلَّا مِثْلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ. وَلِعَلِيٍّ إلَّا مِثْلُ ابْنِ مُلْجِمٍ.
أَفَيَصْلُحُ أَنْ يُقْتَلَ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْأَحْبَارُ. وَلَوْ أَنَّ عَيْنَ الْفَهْمِ زَالَ عَنْهَا غِشَاءُ الْعَشَا لَرَأَتْ الْمُسَبِّبَ لَا الْأَسْبَابَ، وَالْمُقَدِّرَ لَا الْأَقْدَارَ، فَصَبَرَتْ عَلَى بَلَائِهِ إيثَارًا لِمَا يُرِيدُ. وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ الرِّضَا. كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبَلَاءِ: اُدْعُ اللَّهَ بِالْعَافِيَةِ. فَقَالَ أَحَبُّهُ إلَيَّ أَحَبُّهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
إنْ كَانَ رِضَاكُمْ فِي سَهَرِي ... فَسَلَامُ اللَّهِ عَلَى وَسَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute