للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ الْوَيْلُ لِلْمُعْتَرِضِ أَيَرُدُّ اعْتِرَاضُهُ الْأَقْدَارَ.

فَمَا يَسْتَفِيدُ إلَّا الْخِزْيَ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: لَيْسَ فِي التَّكْلِيفِ أَصْعَبُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الرِّضَا بِهِ. فَأَمَّا الصَّبْرُ فَهُوَ فَرْضٌ، وَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ فَضْلٌ، وَإِنَّمَا صَعُبَ الصَّبْرُ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ يَجْرِي فِي الْأَغْلَبِ بِمَكْرُوهِ النَّفْسِ، وَلَيْسَ مَكْرُوهُ النَّفْسِ يَقِفُ عَلَى الْمَرَضِ وَالْأَذَى فِي الْبَدَنِ، بَلْ هُوَ يَتَنَوَّعُ حَتَّى يَتَحَيَّرُ الْعَقْلُ فِي جَرَيَانِهِ.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّك إذَا رَأَيْت مَغْمُورًا بِالدُّنْيَا، قَدْ سَالَتْ لَهُ أَوْدِيَتُهَا حَتَّى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ بِالْمَالِ، فَهُوَ يَصُوغُهُ أَوَانِي يَسْتَعْمِلُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبِلَّوْرَ وَالْعَقِيقَ وَالشَّبَهُ قَدْ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهَا صُورَةً، غَيْرَ أَنَّ قِلَّةَ مُبَالَاتِهِ بِالشَّرِيعَةِ جَعَلَتْ عِنْدَهُ وُجُودُ النَّهْيِ كَعَدَمِهِ، وَيَلْبَسُ الْحَرِيرَ وَيَظْلِمُ النَّاسَ وَالدُّنْيَا مُنَصَّبَةٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرَى خَلْقًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَطُلَّابِ الْعِلْمِ مَغْمُورِينَ بِالْفَقْرِ وَالْبَلَاءِ، مَقْهُورِينَ تَحْتَ وِلَايَةِ ذَلِكَ الظَّالِمِ، فَحِينَئِذٍ يَجِدُ الشَّيْطَانُ طَرِيقًا لِلْوَسْوَاسِ؛ وَيَبْتَدِئُ بِالْقَدْحِ فِي حِكْمَةِ الْقَدَرِ.

فَيَحْتَاجُ الْمُؤْمِنُ إلَى صَبْرٍ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا. وَعَلَى جِدَالِ إبْلِيسَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي تَسْلِيطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَالْفُسَّاقِ عَلَى أَهْلِ الدِّينِ. وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا إيلَامُ الْحَيَوَانِ وَتَعْذِيبُ الْأَطْفَالِ. فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ يَتَمَحَّضُ الْإِيمَانُ.

وَمِمَّا يُقَوِّي الصَّبْرَ عَلَى الْحَالَتَيْنِ النَّقْلُ وَالْعَقْلُ. أَمَّا النَّقْلُ فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَمُنْقَسِمٌ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بَيَانُ سَبَبِ إعْطَاءِ الْكَافِرِ وَالْعَاصِي. فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: ١٧٨] . {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: ٣٣] .

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: ١٦] . وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي ابْتِلَاءُ الْمُؤْمِنِ بِمَا يَلْقَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [آل عمران: ١٤٢] . {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: ٢١٤] . {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [التوبة: ١٦] . وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>