عَلَيْهَا، وَإِمَّا لِكَوْنِ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ خَاتِمَةً لِمَنْظُومَتِهِ الْكُبْرَى فِي الْفِقْهِ. وَذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي صَدْرِ الْآدَابِ الْكُبْرَى. فَرَأَيْت أَنْ أَخْتِمَ بِهَا هَذَا الشَّرْحَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
مَطْلَبٌ: فِي لُزُومِ التَّوْبَةِ شَرْعًا لَا عَقْلًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تَلْزَمُ التَّوْبَةُ شَرْعًا لَا عَقْلًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ قَدْ أَثِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَقِيلَ غَيْرَ مَظْنُونٍ. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ إثْمٌ. وَقِيلَ لَا، وَلَا تَجِبُ بِدُونِ تَحَقُّقِ إثْمٍ.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَالْحَقُّ وُجُوبُ قَوْلِهِ إنِّي تَائِبٌ إلَى اللَّهِ مِنْ كَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ. وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَذْهَبًا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَالنَّدَمُ لَا يُتَصَوَّرُ مَشْرُوطًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا حَصَلَ أَبْطَلَ النَّدَمَ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا شَكَّ فِي الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ هَلْ هُوَ قَبِيحٌ أَمْ لَا فَهُوَ مُفَرِّطٌ فِي فِعْلِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ هَذَا التَّفْرِيطِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ قُبْحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ حُسْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ أُخِذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ قَبِيحٍ وَلَا عَلَى مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا. فَإِذَا قَدِمَ عَلَى فِعْلٍ يَشُكُّ أَنَّهُ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ. وَذَلِكَ التَّفْرِيطُ ذَنْبٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: فَمَنْ تَابَ تَوْبَةً عَامَّةً كَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ مُقْتَضِيَةً لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يُعَارِضَ هَذَا الْعَامَّ مُعَارِضٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ. مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ إيَّاهُ. أَوْ لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَتَصِحُّ مِنْ بَعْضِ ذُنُوبِهِ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. نَعَمْ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ زِنَاهُ يَوْمَ كَذَا أَوْ فِي فُلَانَةَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَا بِغَيْرِهَا أَوْ بِهَا. وَإِنَّمَا تَابَ مِنْ الزِّنَا الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ أَوَّلًا دُونَ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى أَصْلِ فِعْلِ الزِّنَا. فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْهُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالتَّوْبَةُ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْعُرْفِ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ. وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهَا دَائِمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِأَجْلِ نَفْعِ الدُّنْيَا أَوْ أَذَى النَّاسِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى إكْرَاهٍ أَوْ إلْجَاءٍ. بَلْ اخْتِيَارٍ حَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute