للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّكْلِيفِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إنِّي تَائِبٌ إلَيْك مِنْ كَذَا وَكَذَا.

وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَظَاهِرُ هَذَا اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ بِالتَّلَفُّظِ وَالِاسْتِغْفَارِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا.

قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِمَا وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِ وَاحِدٍ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَأَنْ يَكُونَ إذَا ذَكَرَهَا يَعْنِي الْمَعْصِيَةَ انْزَعَجَ قَلْبُهُ وَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ وَلَمْ يَرْتَحْ لِذِكْرِهَا وَلَا يُنَمِّقُ فِي الْمَجَالِسِ صِفَتَهَا. فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ تَوْبَةً. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَذِرَ إلَى الْمَظْلُومِ عَنْ ظُلْمِهِ مَتَى كَانَ ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا مُطْمَئِنًّا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَظْلَمَةِ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ وَقِلَّةِ الْفِكْرَةِ بِالْجُرْمِ السَّابِقِ، وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِخِدْمَةِ الْمُعْتَذَرِ إلَيْهِ، وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَهْزِئِ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْ لَا.

قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُمْكِنَ الْمُنَازَعَةُ فِي هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَقْتَ النَّدَمِ وَالْغَرَضُ النَّدَمُ الْمُعْتَبَرُ وَقَدْ وُجِدَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ تَكَرُّرِهِ كُلَّمَا ذَكَرَ الذَّنْبَ. وَأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ تَجْدِيدُ النَّدَمِ إذَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُوَافِقُونَ غَيْرَهُمْ فِي أَنَّ تَوْبَتَهُ السَّابِقَةَ لَا تَبْطُلُ بِمُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ مَعَ شَرْطِ الْعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ وَرَدُّ الْمَظْلَمَةِ مِنْ يَدِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ النَّدَمُ مَعَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ هُوَ التَّوْبَةُ وَلَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ بَلْ هِيَ بِمَجْمُوعِهَا شَرْطٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا «النَّدَمُ تَوْبَةٌ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَلَيْسَ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَقُولُوا أَجْمَعْنَا عَلَى احْتِيَاجِهَا إلَى الْعَزْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَلَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّوْبَةَ. كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ الصَّلَاةُ؛ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>