للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَازِمًا بِنَقْلِهِ إلَى بَابِ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ إذْ هُمَا صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ وَهِيَ لَا تُشْتَقُّ مِنْ مُتَعَدٍّ.

وَرَحْمَتُهُ تَعَالَى صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِنْعَامَ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا بِرِقَّةٍ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي الْإِنْعَامَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا يَلِيقُ بِرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ الْمُتَّصِفَ بِهَا تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ الْحَقِيقَةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقِ، بَلْ نَفْسُ الْإِرَادَةِ الَّتِي يَرُدُّونَ الرَّحْمَةَ إلَيْهَا هِيَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ، إذْ هِيَ مَيْلُ قَلْبِهِ إلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَكَذَا رَدُّ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى إلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ إنَّمَا يَكُونُ لِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْفَاعِلِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، وَفِعْلُهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَمَا فَرُّوا إلَيْهِ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ نَظِيرُ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى الْمَجَازِ فِي رَحْمَتِهِ تَعَالَى، إذْ هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ نَفْيِهَا عَنْهُ وَضَعْفِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِيهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ، إذْ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ لِمَنْ قَالَ زَيْدٌ أَسَدٌ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَيْسَتْ جَرَاءَتُهُ كَجَرَاءَتِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِهِ تَعَالَى، وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَلَيْسَتْ الِاعْتِبَارَاتُ الثَّلَاثَةُ مُتَمَاثِلَةً إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ تَعَالَى شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ» قَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» رَوَاهُ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ «بِحَمْدِ اللَّهِ» ، وَالْكُلُّ بِلَفْظِ «أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ " أَجْذَمُ " وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ» فَتَكُونُ الرِّوَايَاتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَبِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَبِحَمْدِ اللَّهِ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ، وَأَقْطَعُ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، وَأَبْتَرُ وَأَجْذَمُ.

وَمَعْنَى " ذِي بَالٍ " أَيْ صَاحِبِ حَالٍ وَشَأْنٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا، فَيَخْرُجُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ، وَمَعْنَى " الْأَبْتَرُ، وَالْأَقْطَعُ، وَالْأَجْذَمُ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ، فَإِنَّ الْبَتْرَ قَطْعُ الذَّنَبِ، وَالْقَطْعُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَذْمُ قَطْعُ الْأَطْرَافِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>