للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَالَ مَنْ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَذَى وَالْحُزْنِ فَمَفْسَدَةٌ يَسِيرَةٌ فِي جَنْبِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِالْكَذِبِ، لَا سِيَّمَا تَكْمِيلُ الْفَرَحِ وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي حَصَلَ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ بَعْدَ هَذَا الْكَذِبِ، وَكَانَ الْكَذِبُ سَبَبًا فِي حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ.

قَالَ وَنَظِيرُ هَذَا الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ يُوهِمُ الْخَصْمَ خِلَافَ الْحَقِّ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ.

كَمَا أَوْهَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِشَقِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ حَتَّى يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ أُمِّهِ. انْتَهَى. وَقِصَّةُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ كَمَا ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ وَأَهْلِ السَّيْرِ وَالْمَغَازِي وَذَكَرْتهَا فِي كِتَابِي تَحْبِيرِ الْوَفَا فِي سِيرَةِ الْمُصْطَفَى، قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ شَيْبَةُ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَصِيٍّ.

أَيْ وَهُوَ أَبُو نَصْرٍ الَّذِي نَفَاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ أُمَّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ تَقُولُ الْأَبْيَاتَ الَّتِي مِنْهَا:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا ... أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمًا لِلْحَجَّاجِ: يَا ابْنَ الْمُتَحَبِّبَةِ، يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا مِنْ الْمَالِ فَكَانَتْ لَهُ مَعَادِنُ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، «فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ إنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي، وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي فَلَا مَالَ لِي، فَأْذَنْ لِي فَلْأُسْرِعْ السَّيْرَ وَأَسْبِقُ الْخَبَرَ، وَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بُدَّ لِي أَنْ أَقُولَ، أَيْ أَذْكُرَ مَا هُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ، فَأَذِنَ لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ قُلْ قَالَ الْحَجَّاجُ فَخَرَجْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى الْحَرَمِ فَإِذَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْمَعُونَ الْأَخْبَارَ، قَالُوا حَجَّاجٌ وَاَللَّهِ عِنْدَهُ الْخَبَرُ، وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا، فَقَالُوا يَا حَجَّاجُ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَاطِعَ يَعْنُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، فَقُلْت عِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ، فَاجْتَمِعُوا عَلَيَّ يَقُولُونَ إيهِ يَا حَجَّاجُ؟ فَقُلْت لَمْ يَلْقَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يُسْمَعْ مِثْلُهَا قَطُّ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ، وَقَالُوا لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>