للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَاحُوا وَقَالُوا لِأَهْلِ مَكَّةَ قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ، هَذَا مُحَمَّدٌ إنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ حَجَّاجٌ وَقُلْت لَهُمْ أَعِينُونِي عَلَى غُرَمَائِي، فَجَمَعُوا لَهُ مَالَهُ بِأَحْسَنِ مَا يَكُونُ. قَالَ فِي الْهَدْيِ: فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَخْفِي عَلَيَّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ لِي عِنْدَك مِنْ مَالِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ اُسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أُسِرَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ أَقْسَمُوا لَنَبْعَثَنَّ بِهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُ بِقَتْلَاهُمْ بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ. وَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ وَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَ مِنْهُمْ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَبَلَغَ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَبَةُ النَّاسِ وَإِظْهَارُهُمْ السُّرُورَ. فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ وَيَخْرُج فَانْخَزَلَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَدَعَا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ قُثَمُ وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِ أَعْدَاءُ اللَّهِ:

قُثَمُ شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمِّ ... فَمَتَى ذِي النِّعَمِ يُرْغِمُ مَنْ رَغَمَ

وَحُشِرَ إلَى بَابِ دَارِهِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ الْمُظْهِرُ لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَمِنْهُمْ الشَّامِتُ وَالْمُعَزِّي، وَمِنْهُمْ مَنْ بِهِ مِثْلُ الْمَوْتِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبَلَاءِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ رَجَزَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَجَلُّدَهُ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ، وَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنْ قَدْ أَتَاهُ مَا لَمْ يَأْتِهِمْ ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَبَّاسُ غُلَامًا لَهُ إلَى الْحَجَّاجِ وَقَالَ لَهُ اُخْلُ بِهِ وَقُلْ لَهُ وَيْلَك مَا جِئْت بِهِ وَمَا تَقُولُ، فَاَلَّذِي وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْت بِهِ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْغُلَامُ قَالَ لَهُ أَقْرِئْ أَبَا الْفَضْلِ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ لِيُخِلَّ بِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ حَتَّى آتِيَهُ، فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ. فَلَمَّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدَّارِ فَقَالَ أَبْشِرْ أَبَا الْفَضْلِ، فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرَحًا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بَلَاءٌ قَطُّ حِينَ جَاءَهُ. فَأَتَى الْغُلَامُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجَّاجِ فَأَعْتَقَهُ» .

وَفِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ أَنَّهُ اعْتَنَقَهُ وَأَعْتَقَهُ. فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِاَلَّذِي قَالَ قَالَ الْعَبَّاسُ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَشْرِ رِقَابٍ وَأَنَّ الْغُلَامَ اسْمُهُ أَبُو زَبِيبَةَ.

قَالَ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي الْإِصَابَةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْهَدْيِ: قَالَ أَخْبِرْنِي، قَالَ يَقُولُ لَك الْحَجَّاجُ اُخْلُ بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِك حَتَّى يَأْتِيَكُمْ ظُهْرًا، فَلَمَّا جَاءَ الْحَجَّاجُ وَاخْتَلَى بِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ لَتَكْتُمَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>