خَبَرِي. وَفِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ لِتَكْتُمَ عَنِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُقَالُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَوَاثَقَهُ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ قَدْ افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ وَغَنَم أَمْوَالَهُمْ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ لِنَفْسِهِ وَأَعْرَسَ بِهَا، وَلَقَدْ أَسْلَمْت وَلَكِنْ جِئْت لِمَالِي أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَهُ وَأَذْهَبُ بِهِ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُولَ فَأَذِنَ لِي، فَأَخِفَّ عَلَيَّ ثَلَاثًا ثُمَّ اُذْكُرْ مَا شِئْت.
قَالَ فَجَمَعْت لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ ثُمَّ انْشَمَرَ رَاجِعًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ مَا فَعَلَ زَوْجُك؟ قَالَتْ ذَهَبَ، وَقَالَتْ لَا يُحْزِنُك اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَك، فَقَالَ أَجَلٌ لَا يُحْزِنُنِي اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إلَّا مَا أُحِبُّ، فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَك فِي زَوْجِك حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ. قَالَتْ: أَظُنُّك وَاَللَّهِ صَادِقًا. قَالَ فَإِنِّي وَاَللَّهِ صَادِقُ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ. قَالَتْ فَمَنْ أَخْبَرَك بِهَذَا؟ قَالَ الَّذِي أَخْبَرَك بِمَا أَخْبَرَك ثُمَّ ذَهَبَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَبِسَ حُلَّةً لَهُ وَتَخَلَّقْ أَيْ تَطَيَّبَ وَأَخَذَ عَصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ فَطَافَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ. قَالَ كَلًّا وَاَلَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ وَتَرَكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مُلْكِهِمْ، يَعْنِي صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. قَالُوا مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا فَأَخَذَ مَالَهُ وَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابه فَيَكُون مَعَهُ. قَالُوا يَا لِعِبَادِ اللَّهِ انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْن. قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَلَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَةٍ.
قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ فَأَشْرَقَتْ وُجُوهُ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ كَمَا أَوْهَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ. هَذِهِ الْقِصَّةُ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ بْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهِيَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute