للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّاظِمِ (أَوْ) يَدْعُو لِأَمْرٍ (مُفَسِّقٍ) بِأَنْ كَانَتْ بِدْعَتُهُ مُفَسِّقَةً لَا مُكَفِّرَةً. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُكَفِّرَةً فَبِالْأَوْلَى وَقَدْ شَمَلَهُ قَوْلُهُ لِأَمْرٍ مُضِلٍّ، لِأَنَّ الضَّلَالَ يَشْمَلُ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ، وَعَطْفُهُ مِنْ عَطْفِ (الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ عَدَمَ وُجُوبِ هَجْرِهِ كَمَا لَهُ كَانَ فَاسِقًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ هَجْرُهُ بَلْ يُسَنُّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ دَاعِيَةً إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ (احْتِمْهُ) أَيْ الْهِجْرَانَ بِغَيْرِ (تَرَدُّدٍ) مِنْك وَلَا شَكٍّ لِارْتِكَابِهِ الْبِدَعَ، وَخِلَالُ السُّوءِ الَّتِي عَلَيْهَا انْطَبَعَ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَلِيمِ الْفُؤَادِ، مِنْ شُعَبِ الْبِدَعِ وَالْعِنَادِ، أَنْ يَصْرِمَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْإِلْحَادِ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَرْدَادٍ. فَهِجْرَانُ الدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ وَاجِبٌ.

عَلَى غَيْرِ مَنْ يَقْوَى عَلَى دَحْضِ قَوْلِهِ ... وَيَدْفَعُ إضْرَارَ الْمُضِلِّ بِمِذْوَدِ

(عَلَى) كُلِّ مُسْلِمٍ مُمْتَثِلٍ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ مُجَانِبٍ (غَيْرَ مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مُسْلِمٍ (يَقْوَى) لِنُفُوذِ كَلِمَتِهِ أَوْ عُلُوِّ هِمَّتِهِ أَوْ كَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ (عَلَى دَحْضِ) أَيْ دَفْعِ وَرَدِّ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ، أَيْ قَوْلِ مَنْ يَدْعُو لِلضَّلَالَةِ وَالْبِدَعِ وَالْجَهَالَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ هَجْرُهُ بَلْ عَلَيْهِ رَدُّ قَوْلِهِ كَمَا فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَيَرُدُّهُ (وَيَدْفَعُ) بِالْبَرَاهِينِ الظَّاهِرَةِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ شُبْهَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَوْ بِسَيْفِ الشَّرْعِ (إضْرَارَ الْمُضِلِّ) لِلنَّاسِ الدَّاعِيَ لَهُمْ لِلْهَلَكَةِ وَالْيَأْسِ (بِمِذْوَدِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمِذْوَدُ كَمِنْبَرِ اللِّسَانِ. وَأَصْلُ الذَّوْدِ السَّوْقُ وَالطَّرْدُ وَالدَّفْعُ كَالذِّيَادِ وَهُوَ ذَائِدٌ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ: وَقِيلَ يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ قَالَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلَاحًا وَقَالَ أَيْضًا يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ بِ (لَبَّيْكَ) ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ. عَاشَ

<<  <  ج: ص:  >  >>