للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمُرِّيُّ - عَلَيْهِمَا مَا يَسْتَحِقَّانِ - يَنْظِمَانِ وَيَنْثُرَانِ هَذَا يَقُولُ حَدِيثُ خُرَافَةٍ. وَالْمَعَرِّيُّ يَقُولُ:

تَلَوْا بَاطِلًا وَجَلَوْا صَارِمًا ... وَقَالُوا صَدَقْنَا فَقُلْنَا نَعَمْ

يَعْنِي بِالْبَاطِلِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ وَهُمْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ الْمُخَالِفُونَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الْخِلَافُ، كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفْيِ الْقَدَرِ، وَنَفْيِ رُؤْيَةِ الْبَارِي فِي الْجَنَّةِ وَالْمُشَبِّهَةُ وَالْمُجَسِّمَةُ، وَالْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْإِبَاضِيَّةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْوَاقِفِيَّةُ، وَاللَّفْظِيَّةُ، وَالرَّافِضَةُ، وَالْخَوَارِجُ، وَأَمْثَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

قَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيٌّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، قَالَ لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَى الْخَامِلِ وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: وَيَقْضِي أُمُورَ النَّاسِ فِي إتْيَانِهِ وَلَا هَجْرَ مَعَ تَسْلِيمِهِ الْمُتَعَوَّدِ (وَيَقْضِي) أَيْ يُنَفِّذُ (أُمُورَ) جَمْعُ أَمْرٍ وَالْمُرَادُ بِهِ حَوَادِثُ وَشُئُونُ وَمَصَالِحُ (النَّاسِ) الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِ أَنْفُسِهِمْ (فِي إتْيَانِهِ) أَيْ إتْيَانُ هَذَا الْمُخَالِطِ لِهَؤُلَاءِ وَغِشْيَانُهُ لِأَبْوَابِهِمْ وَجُلُوسُهُ فِي أَنْدِيَتِهِمْ، فَهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَجْرُهُمْ: فَتَخَلَّصَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ النَّاظِمِ وَالْأَصْحَابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ وَالتَّأَذِّي وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَجْرُ، وَأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى مُخَالَطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْهَجْرُ، لِأَنَّ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَيُنَاظِرُهُمْ يَحْتَاجُ إلَى مُشَافَهَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ، وَالْمُتَظَاهِرِ بِالْمَعَاصِي، وَتَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>