للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا) يَتَأَتَّى (هَجْرٌ) وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ شَخْصٍ (مَعَ تَسْلِيمِهِ) أَيْ تَسْلِيمِ الْهَاجِرِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ (الْمُتَعَوِّدِ) أَيْ الْمُعْتَادِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِمَ كَلَامَهُ وَيَتْرُكَ سَلَامَهُ فَلَا يَبْدَأُهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ بَدَأَهُ الْمُبْتَدِعُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا احْتِشَامَ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَامْتِثَالَ الشَّرِيعَةِ أَحَقُّ وَأَعْلَى. فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَاجِرًا، وَلَا عَنْ مَوَدَّتِهِ وَصُحْبَتِهِ نَافِرًا.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ يُحِبُّهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» .

(تَتِمَّةٌ) قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ الْهِجْرَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمَا يُوجِبُ الْهِجْرَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْخُذُ بِالْقَرَفِ وَلَا يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ» وَالْقَرَفُ التُّهْمَةُ، يُقَالُ قَرَفْتُهُ بِكَذَا إذَا أَضَفْتُهُ إلَيْهِ وَعِبْتُهُ وَاتَّهَمْتُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُمَارِهِ وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ:

إنَّ الْوُشَاةَ كَثِيرٌ إنْ أَطَعْتَهُمْ ... لَا يَرْقُبُونَ بِنَا إلًّا وَلَا ذِمَمَا

الْإِلُّ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِهَذَا الْبَيْتِ عَلَى أَنَّهُ الْقَرَابَةُ. وَقِيلَ أَيْضًا:

لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْتُ عِنْدَهُمْ ... بِسِرٍّ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولٍ

أَيْ بِرِسَالَةٍ. وَقَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

لِعَمِّ أَبِي الْوَاشِينَ لَا عَمِّ غَيْرِهِمْ ... لَقَدْ كَلَّفُونِي خُطَّةً لَا أُرِيدُهَا

وَلَا يَلْبَثُ الْوَاشُونَ أَنْ يَصْدَعُوا الْعَصَا ... إذَا هِيَ لَمْ يُصْلَبْ عَلَى الْمَرْءِ عُودُهَا

وَقَالَ غَيْرُهُ:

يَا مُلْزِمِي بِذُنُوبٍ مَا أَحَطْتُ بِهَا ... عِلْمًا وَلَا خَطَرَتْ يَوْمًا عَلَى فِكْرِي

صَدَّقْتَ فِي أَبَاطِيلَ الظُّنُونِ وَكَمْ ... كَذَّبْتُ فِيكَ يَقِينَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>