للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لِوَلَدِ الْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ أَبُوك يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيك؟ فَقَالَ ذَاكَرْته فَأَخَذْت عَلَيْهِ الْأَبْوَابَ. قُلْت: فِي ثِمَارِ مُنْتَهَى الْعُقُولِ فِي مُنْتَهَى النُّقُولِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ مَا نَصُّهُ: انْتَهَى الْحِفْظُ لِابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فَرِيدٌ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ، وَكَانَ يَحْفَظُ كُتُبًا حِمْلَ ثَمَانِينَ بَعِيرًا.

وَحَفِظَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَلْفَ كُرَّاسٍ وَحَفِظَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفَ بَيْتِ مِنْ الشَّعْرِ اسْتِشْهَادًا لِلنَّحْوِ. وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَحْفَظُ مِنْ مَرَّةٍ أَوْ نَظْرَةٍ. وَابْنُ سِينَا الْحَكِيمُ حَفِظَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ كَانَ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ. وَالْبُخَارِيُّ حَفِظَ عُشْرَهَا أَيْ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ. وَالْكُلُّ مِنْ بَعْضِ مَحْفُوظِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ أَحَدٌ بِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ امْتَازَ بِهَا عَنْ سَائِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَمَّنْ مَضَى، وَعَمَّنْ بَقِيَ مِنْ الْأَئِمَّةِ.

وَلِذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يَقُولُ النَّاسُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالتَّوَهُّمِ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُ لِأَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ عَلَيْهِ مَزِيَّةً، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَقْدِرُ قَدْرَهُ، وَلَا يَعْرِفُ مِنْ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ. قَالَ: وَلَقَدْ صَحِبْته عِشْرِينَ سَنَةً صَيْفًا وَشِتَاءً وَحَرًّا وَبَرْدًا وَلَيْلًا وَنَهَارًا فَمَا لَقِيته فِي يَوْمٍ إلَّا وَهُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ. وَلَقَدْ كَانَ يَقْدُمُ أَئِمَّةَ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ وَإِمَامَ كُلِّ مِصْرٍ فَهُمْ بِجَلَالَتِهِمْ مَا دَامَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، صَارَ غُلَامًا مُتَعَلِّمًا.

وَقَالَ الْحَرْبِيُّ أَيْضًا: قَدْ رَأَيْت رِجَالَاتِ الدُّنْيَا لَمْ أَرَ مِثْلَ ثَلَاثَةٍ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَتَعْجِزُ النِّسَاءُ أَنْ تَلِدَ مِثْلَهُ، وَرَأَيْت بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ مَمْلُوءًا عَقْلًا، وَرَأَيْت أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ كَأَنَّهُ جَبَلٌ نُفِخَ فِيهِ عِلْمٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: مَا رَأَيْت مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالُوا لَهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ بَانَ لَك مِنْ فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ عَلَى سَائِرِ مَنْ رَأَيْت؟ قَالَ: رَجُلٌ سُئِلَ عَنْ سِتِّينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَرَوَيْنَا. قُلْت: وَهَذِهِ كَالْأُولَى لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فَعَلَهَا. وَقَدْ سُئِلَ كَثِيرٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>