وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمْ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ.
الْحِجَالُ جَمْعُ حَجَلَةٍ بِالتَّحْرِيكِ بَيْتٌ كَالْقُبَّةِ يَسْتُرُ الثِّيَابَ، وَلَهُ أَزْرَارٌ كِبَارٌ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ يَسْتَأْذِنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالطِّفْلُ وَالْمَمْلُوكُ يَسْتَأْذِنُ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ فِي كِتَابِهِ قَلَائِدِ الْمَرْجَانِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ الْقُرْآنِ: قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا قَالُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ تَسْتَأْنِسُوا خَطَأٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِئْنَاسُ؟ قَالَ يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِالتَّسْبِيحَةِ وَالتَّكْبِيرَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَوْ يَتَنَحْنَحُ» ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مُحْكَمَتَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْحُكْمَ عَامًّا فِي سَائِرِ الْبُيُوتِ ثُمَّ نُسِخَتْ مِنْهَا الْبُيُوتُ الَّتِي لَا سَاكِنَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: ٢٩] أَيْ مَنْفَعَةٌ لَكُمْ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْخَانَاتُ، وَمَا بُنِيَ لِلسَّابِلَةِ، أَوْ جَمِيعِ الْبُيُوتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا سَاكِنٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَان إنَّمَا وَرَدَ لِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَى الْعَوْرَاتِ، فَإِذَا أُمِنَ ذَلِكَ جَازَ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إذْنٍ.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: ٥٨] الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] ثُمَّ ذَكَر كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ.
قَالُوا: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ لَا يَعْمَلُونَ بِهَا فَقَالَ: الْمُسْتَعَانُ بِاَللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا وَاَللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهَا النَّاسُ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ الْآيَةَ فِي الْمَنْسُوخِ أَلْبَتَّةَ فِي كِتَابِهِ الْمُصَفَّى بِإِلْفِ أَهْلِ الرُّسُوخِ مِنْ عِلْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. نَعَمْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٢٧] الْآيَةَ قَالَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ نُسِخَ مِنْ هَذَا النَّهْيِ الْعَامِّ حُكْمُ الْبُيُوتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute