للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ فَهَلْ يَجْلِسُ وَأَيْنَ يَجْلِسُ، يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُرْفِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَعَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، يَعْنِي عُرْفَهُ وَعَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ كَالْكَلَامِ.

فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عَادَتَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ وَافَقَهُ إنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَكَذَا إنْ شَكَّ، حَمْلًا لِحَالِ الْمُكَلَّفِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ أَجَابَهُ.

وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُجِبْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ. ثُمَّ يَجْلِسُ فِيمَا يَظُنُّ إذْنَهُ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَيُعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَظَوَاهِرِ الْحَالِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا عَادَةٌ فَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسُ بِلَا إذْنٍ خَاصٍّ فِيهِ لِحُصُولِ الْإِذْنِ فِيهِ بِإِذْنٍ فِي الدُّخُولِ. ثُمَّ إنْ شَاءَ جَلَسَ أَدْنَى الْمَجْلِسِ لِتَحَقُّقِ جَوَازِهِ مَعَ سُلُوكِ الْأَدَبِ، وَهَذَا أَوْلَى.

وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِالظَّنِّ فِي جُلُوسِهِ فِيمَا يَأْذَنُ فِيهِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَوَائِدِ النَّاسِ. وَدَخَلَ ابْنُ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ بِنِيَّةِ زَائِرٍ لَهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا بِالْأَرْضِ إلَى وِسَادَةٍ قَالَ فَقُلْت لَهُ إنِّي قَدْ رَضِيت لِنَفْسِي مَا رَضِيتَ لِنَفْسِك، فَقَالَ: إنِّي لَا أَرْضَى لَك فِي بَيْتِي بِمَا أَرْضَى بِهِ لِنَفْسِي فَاجْلِسْ حَيْثُ تُؤْمَرُ.

(الْخَامِسَةُ) : يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْلِسَ فِي وَسَطِ الْحَلْقَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ إذَا كَانَ فِي الْحَلْقَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَعَدَ يَتَأَخَّرُ يَعْنِي يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ. لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِهَا اسْتَدْبَرَ بَعْضَهُمْ بِظَهْرِهِ فَيُؤْذِيهِمْ بِذَلِكَ وَيَسُبُّونَهُ وَيَلْعَنُونَهُ.

(السَّادِسَةُ) : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَجْلِسَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا يُجْلَسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَهُمَا حَسَنَانِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ، وَرَوَى الثَّانِيَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعَةُ) لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>