قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إذَا جَلَسَ قَوْمٌ إلَى رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ؟ قَالَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ مَا أَحْسَنَهُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إذَا أَرَادَ الْقِيَامَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَكُنْت رُبَّمَا غَمَزْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا، فَأَقُولُ: قُمْ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كُنَّا نَقْعُدُ إلَيْهِ يَعْنِي الْإِمَامَ كَثِيرًا فَيَقُومُ وَلَا يَسْتَأْذِنُنَا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السَّلَامَ وَالِاسْتِئْذَانَ وَأَحْكَامَهُمَا ذَكَرَ أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا الْقِيَامُ، وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِيمَنْ يَجُوزُ الْقِيَامُ لَهُ وَمَنْ يُكْرَهُ:
وَكُلُّ قِيَامٍ لَا لِوَالٍ وَعَالِمٍ ... وَوَالِدِهِ أَوْ سَيِّدٍ كُرْهَهُ امْهَدْ
(وَكُلُّ قِيَامٍ) قَامَهُ الْإِنْسَانُ مَكْرُوهٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ سَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِيقُ بِهَذَا الشَّرْحِ (لَا) يُكْرَهُ الْقِيَامُ مُطْلَقًا بَلْ يُبَاحُ (لِوَالٍ) الْأَمْر.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ نِظَامِهِ وَلَوْ غَيْرَ عَادِلٍ، وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَقَائِمٌ بِالسِّيَاسَةِ فَيُقَامُ لَهُ إكْرَامًا لِمَنْزِلَتِهِ. وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَادِلًا.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ (وَ) لَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ أَيْضًا لِ (عَالِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لِكِتَابِ اللَّهِ النَّاقِلُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّالُّ عَلَى اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ، الْمُبَيِّنُ لِحَلَالِ الشَّيْءِ وَحَرَامِهِ، الْمُنَبِّهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَآيَاتِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ» أَيْ فِي حِفْظِ الْحُدُودِ وَالشَّرِيعَةِ. وَكَوْنِهِمْ لِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي أَقْوَى ذَرِيعَةً. (وَ) لَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ أَيْضًا (لِوَالِدِهِ) أَيْ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ، وَالْبَاذِلُ فِي تَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ حَيَاتِهِ غَايَةَ مَجْهُودِهِ.
فَالْقِيَامُ لِلْوَالِدَيْنِ مِنْ إظْهَارِ الْبِرِّ وَالْإِجْلَالِ، وَالِانْخِفَاضِ وَالِامْتِثَالِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ وُدِّهِمَا، وَمَا عَسَاهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي جَنْبِ كَدِّهِمَا، وَقَدْ رَبَّيَاهُ صَغِيرًا، وَأَسْهَرَا أَعْيُنَهُمَا سَهَرًا كَثِيرًا. وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِشُكْرِهِ شُكْرَهُمَا لِعَظِيمِ حَقِّهِمَا عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْفِضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ لِكِبَرِ طَاعَتِهِمَا لَدَيْهِ.
وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُفَصَّلًا بِأَدِلَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الْمُنِيرَةِ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاظِمِ وَإِنَّ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ كَبِيرَةٌ. (أَوْ) أَيْ لَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ أَيْضًا لِ (سَيِّدِ) قَوْمٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -