للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا أَنْ مَشَى قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَتِ أَبُو إبْرَاهِيمَ شَابٌّ وَتَعْمَلُ بِهِ هَذَا وَتَقُومُ إلَيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ لَا تُعَارِضْنِي فِي مِثْلِ هَذَا أَلَا أَقُومُ إلَى ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؟ ، «وَقَدْ قَامَ طَلْحَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ» .

وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَعْلَى اللَّهُ مَنَارَهُ، وَأَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الْأَيَّامِ آثَارَهُ: تَرْكُ الْقِيَامِ كَانَ شِعَارَ السَّلَفِ، ثُمَّ صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْأَهْوَانِ بِالشَّخْصِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ لَمَنْ يَصْلُحُ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: يَنْبَغِي تَرْكُ الْقِيَامِ فِي اللِّقَاءِ الْمُتَكَرِّرِ وَالْمُعْتَادِ، وَنَحْوِهِ لَكِنْ إذَا اعْتَادَ النَّاسُ الْقِيَامَ وَقَدِمَ مَنْ لَا يَرَى كَرَامَتَهُ إلَّا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

فَالْقِيَامُ دَفْعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْفَسَادِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ الْمُفْضِي إلَى الْفَسَادِ. وَيَنْبَغِي مَعَ هَذَا أَنْ يُسْعَى فِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَا يَرْحَمُ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفُ حَقَّ كَبِيرِنَا» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ «وَيَعْرِفُ شَرَفَ كَبِيرِنَا» .

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمُ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفُ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْمُغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى إيجَابِ تَوْقِيرِ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْفَاضِلُ وَالْعَالِمُ، وَمَا عَدَا مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الَّذِينَ يُقَامُ لَهُمْ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ وَالْوَالِدِ وَالسَّيِّدِ وَمَنْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَرِيمِ وَالْحَسِيبِ وَالشَّائِبِ، فَالْقِيَامُ لِغَيْرِهِمْ (كُرْهُهُ) أَيْ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا (امْهَدْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ مَهَدَ كَمَنَعَ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَةِ. يُقَال مَهَدَهُ كَمَنَعَهُ، وَتَمْهِيدُ الْأَمْرِ تَسْوِيَتُهُ وَإِصْلَاحُهُ، وَتَمْهِيدُ الْعُذْرِ بَسْطُهُ وَقَبُولُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>