وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ «فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ» وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ، وَفِيهَا «ثُمَّ جَاءَ مُنْذِرٌ الْأَشَجُّ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلَهَا وَهُوَ سَيِّدُ الْوَفْدِ وَكَانَ دَمِيمًا فَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى دَمَامَتِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَا يُسْقَى فِي مُسُوكِ أَيْ جُلُودِ الرِّجَالِ إنَّمَا يُحْتَاجُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى أَصْغَرَيْهِ: لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ فِيك خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ» الْحَدِيثَ.
وَرُوِيَ أَيْضًا قِصَّةُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَمَّا طَعَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ فَقَالَ «اصْبِرْنِي، فَقَالَ: اصْطَبِرْ، أَيْ قُدْنِي، فَقَالَ اتَّقِدْ، قَالَ إنَّ عَلَيْك قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَمِيصِهِ فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، قَالَ إنَّمَا أَرَدْت هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.
قُلْت وَفِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ «لَمَّا انْكَشَفَ أَوَّلُ عَسْكَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمَّا لَقِينَا الْقَوْمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ اقْتَحَمْت عَنْ فَرَسِي وَبِيَدِي السَّيْفُ مُصْلِتًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْمَوْتَ دُونَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيَّ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخُوك وَابْنُ عَمِّك أَبُو سُفْيَانَ فَارْضَ عَنْهُ، قَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ وَقَالَ يَا أَخِي، فَقَبَّلْت رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ سَيِّدُ فَتَيَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَجَاهُ، وَهُوَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ حَسَّانُ فِي قَوْلِهِ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي ... مُغَلْغِلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ
بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْك عَبْدًا ... وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute