للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ «لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَبْوَاءِ وَابْنٌ لَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ ابْنُ عَمَّتِهِ وَصِهْرُهُ، وَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ لَا يَكُونَا أَشْقَى النَّاسِ بِك قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْأَذِيَّةِ لِرَسُولِ اللَّهِ كَثِيرَ الْهَجْوِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ آلَفَ النَّاسِ إلَيْهِ، قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ بِمَكَّةَ مَا قَالَ أَيْ لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى تَعْرُجَ إلَى السَّمَاءِ فِي سُلَّمٍ وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَتَأْتِي بِصَكٍّ وَأَرْبَعَةِ مَلَائِكَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بَنِيَّ لَهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ بَنِيَّ هَذَا ثُمَّ نَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهُمَا رِقًّا شَدِيدًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ، وَأَسْلَمَا» .

وَفِي الْهَدْيِ لِلْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ «أَنَّ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْ لَهُ مَا قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: ٩١] فَإِنَّهُ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْهُ قَوْلًا فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٩٢] فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُعْتَذِرًا:

لَعَمْرُكَ إنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ

لَك الْمُدْلِجُ الْحَيْرَانُ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أَهْدِي وَأَهْتَدِي

هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَدَلَّنِي ... عَلَى اللَّهِ مَنْ طَرَدْته كُلَّ مُطْرَدِ

أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدِ ... وَأَدَّعِي كَأَنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ

هُمُو مَا هُمُو مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمُو ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلِمُّ وَيُفْسِدُ

أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْت بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدِ فِي كُلِّ مَقْعَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>