للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» .

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي حَلْقَةٍ فَقَالَ " أَنْشُدُ اللَّهَ قَاطِعَ رَحِمٍ لَمَّا قَامَ عَنَّا فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا وَإِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ مُرْتَجَةٌ دُونَ قَاطِعِ رَحِمٍ. وَالْمُرْتَجَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ الْمُغْلَقَةِ.

وَوَرَدَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّحْمَةِ الْمَطَرُ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ عَنْ النَّاسِ عُمُومًا بِشُؤْمِ التَّقَاطُعِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى رَحْمَةٍ أَخَصَّ مِنْ الْمَطَرِ، وَعَلَى عُمُومِ مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي فِيهِ قَاطِعُ رَحِمٍ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.

(الرَّابِعُ) : تَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ وَنَصَّ الْإِمَامُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالسَّلَامِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَلْبَانِيُّ فِي آدَابِهِ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ مُوَالَاتُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِمْ، وَتَأْكِيدُ الْمُبَادَرَةِ إلَى صُلْحِهِمْ عِنْدَ عَدَاوَتِهِمْ، وَالِاجْتِهَادُ فِي إيصَالِهِمْ كِفَايَتَهُمْ بِطِيبِ نَفْسٍ عِنْدَ فَقْرِهِمْ، وَالْإِسْرَاعُ إلَى مُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ، وَمُرَاعَاةُ جَبْرِ خَاطِرِهِمْ مَعَ التَّعَطُّفِ وَالتَّلَطُّفِ بِهِمْ، وَتَقْدِيمُهُمْ فِي إجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ، وَالتَّوَاضُعُ مَعَهُمْ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِمْ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِمْ، وَمُدَاوَمَةُ مَوَدَّتِهِمْ وَنُصْحُهُمْ فِي كُلِّ شُؤُونِهِمْ، وَالْبُدَاءَةُ بِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ وَالضِّيَافَةِ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، وَإِيثَارُهُمْ فِي الْإِحْسَانِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وَفِي مَعْنَاهَا الْهَدِيَّةُ وَنَحْوُهَا.

وَيَتَأَكَّدُ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ الرَّحِمِ الْكَاشِحِ الْمُبْغِضِ عَسَاهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ بُغْضِهِ إلَى مَوَدَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>