للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرِيبِهِ وَمَحَبَّتِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» . انْتَهَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ أَكْثَرُهُ مَنْدُوبٌ كَمَا يُعْلَمُ. وَفِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ صِلَةُ الرَّحِمِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْأَقْرَبِينَ مِنْ ذَوِي النَّسَبِ وَالْأَصْهَارِ، وَالتَّعَطُّفُ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ، وَالرِّعَايَةُ لِأَحْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ بَعُدُوا وَأَسَاءُوا. وَقَطْعُ الرَّحِمِ ضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ. يُقَالُ وَصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُهَا وَصْلًا وَصِلَةً، وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ، فَكَأَنَّهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ قَدْ وَصَلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَلَاقَةِ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ. انْتَهَى.

وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدِّينِ وَتَجِبُ مُوَاصَلَتُهَا بِالتَّوَادِّ وَالتَّنَاصُحِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ. وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّةُ فَتَزَيُّدُ النَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِمْ، وَالتَّغَافُلُ عَنْ زَلَّاتِهِمْ، وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِدَفْعِ الضَّرَرِ وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَبِالدُّعَاءِ. وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَمِرُّ إذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللَّهِ هِيَ صِلَتُهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي وَعْظِهِمْ ثُمَّ إعْلَامُهُمْ إذَا أَصَرُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ الْحَقِّ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إلَى الطَّرِيقِ الْمُثْلَى. انْتَهَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) : الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرْنَا مَعَ الرَّحِمِ الْمُوَافِقِ فِي الدِّينِ. أَمَّا إذَا كَانَ الشَّخْصُ مُسْلِمًا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَا يُوَالِهِمْ وَلَا يُوَادُّهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ. ذَكَرَهُ الْبَلْبَانِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ حُمِلَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَيَأْتِي فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ «جَاءَتْنِي أُمِّي مُشْرِكَةً فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>