وَلَا تَدْبِيرَ فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُدَّةٌ، وَقَدْ قَضَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا نَعْلَمَنَّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُمَّالِ أَبْقَى فِي عَمَلِهِ رَجُلًا مُتَصَرِّفًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَّا نُكِّلَ بِهِ، وَلْيَكْتُبْ كُلٌّ مِنْكُمْ بِمَا فَعَلَهُ فِي عَمَلِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُمْنَعَ النَّصَارَى، وَالْيَهُودُ مِنْ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ إلَّا عَلَى الْأَكُفِّ. قَالَ: وَكَتَبَ إلَى حَيَّانَ عَامِلِهِ بِمِصْرَ بِاعْتِمَادِ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ حَيَّانُ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ دَامَ هَذَا الْأَمْرُ فِي مِصْرَ أَسْلَمَتْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَبَطَلَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَاجِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ خَالِدًا، وَقَالَ لَهُ: ائْتِ مِصْرَ فَاضْرِبْ حَيَّانَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثِينَ سَوْطًا أَدَبًا عَلَى قَوْلِهِ وَقُلْ لَهُ: وَيْلَك يَا حَيَّانُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَضَعْ عَنْهُ الْجِزْيَةَ فَوَدِدْت أَنْ أَسْلَمُوا كَافَّةً، اللَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا لَا جَابِيًا.
قَالَ: وَكَتَبَ فِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ بَعْضُ الزُّهَّادِ لَمَّا رَأَى تَمَكُّنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِهْمَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
بِأَبِي وَأُمِّي ضَاعَتْ الْأَحْلَامُ ... أَمْ ضَاعَتْ الْأَذْهَانُ وَالْأَفْهَامُ
مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... أَلَهُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قِيَامُ
إلَّا تَكُنْ أَسْيَافُهُمْ مَشْهُورَةً ... فِينَا فَتِلْكَ سُيُوفُهُمْ أَقْلَامُ
ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّك تَحَمَّلْت أَمَانَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا فَتُسْلِمُ أَنْتَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ الَّتِي قَدْ تَدَرَّكْتَ بِهَا وَخَصَّك اللَّهُ بِهَا إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا سَمِعْت تَفْسِيرَ جَدِّك عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} [الكهف: ٤٩] ، وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ التَّبَسُّمُ، وَالْكَبِيرَةَ الضَّحِكُ فَمَا ظَنُّك بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانَتِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ، وَقَدْ نَصَحْتُك وَهَذِهِ النَّصِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَيَّ مَا لَمْ تَصِلْ، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَيْك صَارَتْ حُجَّةً عَلَيْك فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ إلَى جَمِيعِ الْعُمَّالِ فِي الْبِلَادِ أَنْ لَا يُتْرَكَ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ يَكْتُبُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُمَّالِ.
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْتَبَ أَحَدًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قُطِعَتْ يَدُهُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ مِنْ قَصِيدَةٍ يَمْدَحُ بِهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحُثُّهُ عَلَى قَتْلِ الْقِبْطِ وَيُغْرِيه بِهِمْ وَأَنْشَدَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِلْمَأْمُونِ لَمَّا اسْتَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ الْقِبْطِ فَقَالَ: هُمْ بَقِيَّةُ الْفَرَاعِنَةِ الَّذِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute