للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانُوا بِمِصْرَ.

وَقَالَ لَهُ: وَقَدْ نَهَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ اسْتِخْدَامِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: صِفْ لِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُهُمْ فِي مِصْرَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَخَذَتْ الْفُرْسُ الْمُلْكَ مِنْ أَيْدِي الْفَرَاعِنَةِ قَتَلُوا الْقِبْطَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ اصْطَنَعَتْهُ أَيْدِي الْهَرَبِ وَاخْتَفَى وَتَعَلَّمُوا كُتَّابًا وَأَطِبَّاءً وَحُسَّابًا، فَلَمَّا مَلَكَتْ الرُّومُ كَانُوا هُمْ سَبَبًا لِإِخْرَاجِ الْفُرْسِ عَنْ مُلْكِهِمْ، وَأَقَامُوا فِي مَمْلَكَةِ الرُّومِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ، وَهِيَ:

يَا عَمْرُو قَدْ مَلَكَتْ يَمِينُك مِصْرَنَا ... وَمَلَكْت فِيهَا الْعَدْلَ وَالْإِقْسَاطَا

فَاقْتُلْ بِسَيْفِك مَنْ تَعَدَّى طَوْرَهُ ... وَاجْعَلْ فَتُوحَ سُيُوفِك الْأَقْبَاطَا

فِيهِمْ أُقِيمَ الْجَوْرُ فِي جَنَبَاتِهَا ... وَرَأَى الْأَنَامُ النَّفْيَ وَالْإِفْرَاطَا

عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَثَلَّثُوا لَاهُوتَهمْ ... وَتَوَازَرُوا وَتَعَدَّوْا الْأَشْرَاطَا

لَا تَرْكَنَنَّ إلَى النَّصَارَى إنَّهُمْ ... شَعْبٌ عَلَى دِينِ الْإِلَهِ تَعَاطَا

وَاذْكُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلَهُ ... إنْ كُنْت فِي طَاعَاتِهِ مُحْتَاطًا

لَا تَقْبَلَنْ لِمُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا ... تَرْعَى لَهُ ذِمَمًا وَلَا أَخْلَاطَا

فَأَوْغَرَ صَدْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا عَادَ إلَى بَغْدَادَ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ أَسَاءُوا إلَى الْكِسَائِيّ الِاعْتِمَادَ وَجَاهَرُوهُ بِالْبَغْيِ، وَالْفَسَادِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْمَأْمُونُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١] .

فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ: أَيَقْرَأُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِصَرْفِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِالْمَمْلَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَاتَّفَقَ فِي أَيَّامِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَجْلِسِهِ لَهُ حُرْمَةٌ وَوَقَارٌ، فَاسْتَأْذَنَهُ الْفَاضِلُ فِي إنْشَادِ بَيْتَيْنِ مِنْ الشِّعْرِ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَنْشَدَ:

يَا ابْنَ الَّذِي طَاعَتُهُ فِي الْوَرَى ... وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ

إنَّ الَّذِي شُرِّفْت مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ

فَقَالَ: أَصَحِيحٌ مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَأَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ وَذَكَرَ السُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ الْمَزْبُورِ: أَنَّ النَّصَارَى فِي زَمَنِ الْآمِرِ بِاَللَّهِ اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَامْتَدَّتْ أَيْدِيهمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذِيَّةِ وَإِيصَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>