لِلْمُحْرِمِ لِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي قَتْلِهِ وَسُمِّيَ الْغُرَابُ غُرَابًا لِسَوَادِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: ٢٧] وَهُمَا لَفْظَتَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ.
وَفِي حَدِيثِ رُشْدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الْغِرْبِيبَ» فَسَّرَهُ رُشْدٌ بِاَلَّذِي يَخْضِبُ. وَيُجْمَعُ الْغُرَابُ عَلَى غِرْبَانٍ كَمَا فِي النَّظْمِ وَأَغْرِبَةٍ وَغَرَابِينَ وَغُرُبٍ، وَقَدْ جَمَعَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ:
بِالْغُرْبِ اجْمَعْ غُرَابًا وَأَغْرِبَةً ... وَأَغْرُبٍ وَغَرَابِينَ وَغِرْبَانًا
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ، وَالْحَيَّةُ» .
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَيَّةُ فَاسِقَةٌ، وَالْفَأْرَةُ فَاسِقَةٌ، وَالْغُرَابُ فَاسِقٌ» ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَيُؤْكَلُ الْغُرَابُ قَالَ: وَمَنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ فَاسِقٌ» قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إنَّمَا سُمِّيَ الْغُرَابُ فَاسِقًا فِيمَا أَرَى لِتَخَلُّفِهِ حِينَ أَرْسَلَهُ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَتَرَكَ أَمْرَهُ وَوَقَعَ عَلَى جِيفَةٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجَالَسَةِ: سُمِّيَ غُرَابُ الْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا وَجَّهَهُ لِيَنْظُرَ الْمَاءَ فَذَهَبَ وَلَمْ يَرْجِعْ؛ فَلِذَلِكَ الْعَرَبُ تَشَاءَمُوا بِهِ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ إذَا نَعَبَ الْغُرَابُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إلَّا طَيْرُك وَلَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنَّمَا تَشَاءَمَتْ الْجَاهِلِيَّةُ بِالْغُرَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَانَ أَهْلُ مَنْزِلَةٍ عَنْهَا وَقَعَ مَوْضِعَهُمْ يَلْتَمِسُ وَيَتَقَمْقَمُ فَتَشَاءَمُوا بِهِ لِذَلِكَ وَتَطَيَّرُوا مِنْهُ إذْ كَانَ لَا يَعْتَرِي مَنَازِلَهُمْ إلَّا إذَا بَانُوا عَنْهَا؛ فَلِذَا سَمَّوْهُ غُرَابَ الْبَيْنِ، قَالَ فِيهِ شَاعِرُهُمْ:
وَصَاحَ غُرَابٌ فَوْقَ أَعْوَادِ بَانَةٍ ... بِأَخْبَارِ أَحْبَابِي فَقَسَّمَنِي الْفِكْرُ
فَقُلْت غُرَابٌ بِاغْتِرَابٍ وَبَانَةٌ ... بِبَيْنِ النَّوَى تِلْكَ الْعِيَافَةُ وَالزَّجْرُ
وَهَبَّ جَنُوبٌ بِاجْتِنَابِي مِنْهُمْ ... وَهَاجَتْ صَبًّا قُلْت الصَّبَابَةُ وَالْهَجْرُ
(تَنْبِيهٌ) : الْغُرَابُ أَصْنَافٌ: مِنْهَا غُرَابُ الزَّرْعِ وَالزَّاغُ، وَهُمَا حَلَالٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا، وَمِنْهَا الْغُدَافُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ غُرَابُ الْقَيْظِ، وَهُوَ الْغُرَابُ الضَّخْمِ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْقَاقُ. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute