للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّاسِعُ: أَنَّهُ جَاءَ بِعِجْلٍ كَامِلٍ وَلَمْ يَأْتِ بِبَعْضٍ مِنْهُ. وَهَذَا مِنْ تَمَامِ كَرَمِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الْعَاشِرُ: وَصْفُ الْعِجْلِ بِكَوْنِهِ سَمِينًا لَا هَزِيلًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْخَرِ أَمْوَالِهِمْ وَمِثْلُهُ يُتَّخَذُ لِلِاقْتِنَاءِ وَالتَّرْبِيَةِ فَآثَرَ بِهِ ضِيفَانَهُ. الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ قَرَّبَهُ إلَيْهِمْ وَلَمْ يُقَرِّبْهُمْ إلَيْهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْكَرَامَةِ أَنْ يَجْلِسَ الضَّيْفُ، ثُمَّ تُقَرِّبَ الطَّعَامَ إلَيْهِ وَتَحْمِلَهُ إلَى حَضْرَتِهِ وَلَا تَضَعَ الطَّعَامَ فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ تَأْمُرَ ضَيْفَك بِأَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: ٢٧] وَهَذَا عَرْضٌ وَتَلَطُّفٌ فِي الْقَوْلِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُوا وَمُدُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَنَحْوِهِمَا، وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ حُسْنَهُ وَلُطْفَهُ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: بِسْمِ اللَّهِ، أَوْ أَلَا تَتَصَدَّقُوا، أَوْ أَلَا تُجْبِرُوا، وَمَا أَلْطَفَ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ بِلَادِنَا عَمَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ لِلضِّيفَانِ إذَا قَدَّمُوا إلَيْهِمْ الطَّعَامَ: تَفَضَّلُوا أَيْ عَلَيْنَا بِأَكْلِ طَعَامِنَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ اللُّطْفِ، وَالْحُسْنِ.

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ جَلَاءِ الْأَفْهَامِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ: فَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آدَابَ الضِّيَافَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْآدَابِ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي هِيَ تَخَلُّفٌ وَتَكَلُّفٌ إنَّمَا هِيَ مِنْ أَوْضَاعِ النَّاسِ وَعَوَائِدِهِمْ، وَكَفَى بِهَذِهِ الْآدَابِ شَرَفًا وَفَخْرًا، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَعَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِهِمَا، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقِرَى إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَوَّلُ مَنْ هَشَّمَ الثَّرِيدَ هَاشِمٌ. وَأَوَّلُ مَنْ فَطَرَ جِيرَانُهُ عَلَى طَعَامِهِ فِي الْإِسْلَامِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ مَوَائِدَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ طَعَامٌ لَا يُعَاوَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْكُلُهُ تَرَكَهُ عَلَى الطَّرِيقِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: مِنْ آدَابِ الْمُضِيفِ أَنْ يَخْدُمَ أَضْيَافَهُ وَيُظْهِرَ لَهُمْ الْغِنَى، وَالْبَسْطَ بِوَجْهِهِ، فَقَدْ قِيلَ: الْبَشَاشَةُ خَيْرٌ مِنْ الْقِرَى. فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْتِي بِهِ، وَهُوَ ضَاحِكٌ. وَرَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ضَمَّنَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>