للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِبَاسَهَا.

قَالَ: وَمِنْ هَذَا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ، فَهَلْ هُمَا أَفْضَلُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ مَعَ الْقَمِيصِ، أَوْ الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ فَقَطْ؟ هَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُهُ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ تَارَةً يَكُونُ فِي نَوْعِ الْفِعْلِ، وَتَارَةً فِي جِنْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِمَعْنًى يَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعَ وَغَيْرَهُ لَا لِمَعْنًى يَخُصُّهُ.

فَيَكُونُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الْأَمْرُ الْعَامُّ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ، بَلْ وَبِكَثِيرٍ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ.

وَهَذَا تَسْمِيَةُ طَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْرِفَ مَنَاطَ الْحُكْمِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ» فَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ الْفَأْرَةِ وَذَلِكَ السَّمْنِ، بَلْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا.

يَبْقَى الْمَنَاطُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ مَا هُوَ؟ فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَزْعُمُونَ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِفَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَيُنَجِّسُونَ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلَا يُنَجِّسُونَ السَّمْنَ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْبَوْلُ وَالْعُذْرَةُ، وَلَا يُنَجِّسُونَ الزَّيْتَ وَنَحْوَهُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ قَطْعًا. انْتَهَى.

وَعِمَّةُ مُخْلِي حَلْقِهِ مِنْ تَحَنُّكٍ ... لَدَى أَحْمَدَ مَكْرُوهَةٌ بِتَأَكُّدِ

(وَعِمَّةٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعِمَّةُ بِالْكَسْرِ الِاعْتِمَامُ. وَمُرَادُ النَّاظِمِ كُلُّ عِمَامَةٍ (مُخْلِي) أَيْ مَتْرُوكِ وَخَالِ (حَلْقِهِ) أَيْ صَاحِبِهَا، وَالْمُعْتَمُّ بِهَا (مِنْ تَحَنُّكٍ) أَيْ لَيْسَ تَحْتَ حَنَكِ لَابِسِهَا مِنْهَا شَيْءٌ الْحَنَكُ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ (لَدَى) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مَكْرُوهَةٌ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بَلْ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (بِتَأَكُّدِ) لِنَصِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ.

وَحَكَى فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ لُبْسَ غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ.

وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةَ.

وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ لَا تَرْتَقِي إلَى التَّحْرِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>