للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى دَالٌّ عَلَى جَوَازِ التَّشْبِيكِ مُطْلَقًا. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ فِي غَيْرِهِ أَجْوَزُ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ قَبْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثٌ آخَرُ وَنَصُّهُ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «شَبَّكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ» قَالَ مُغَلْطَاي: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مُعَارَضَةُ مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّشْبِيكِ فِي الْمَسْجِدِ.

وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مَرَاسِيلُ وَمُسْنَدٌ مِنْ طُرُقٍ غَيْرِ ثَابِتَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ تَعَارُضٌ؛ إذْ الْمُنْهَى عَنْهُ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ. وَجَمَعَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَاصِدًا إلَيْهَا إذْ مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي.

وَقِيلَ: إنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ عَنْهُ لِمُنْتَظِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ التَّشْبِيكَ يَجْلُبُ النَّوْمَ، وَهُوَ مِنْ مَظَانِّ الْحَدَثِ.

وَقِيلَ إنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْمُنْهَى عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُصَلِّينَ «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» .

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا» زَادَ الْبَيْهَقِيّ «وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» . وَقَدْ شَبَّكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ إيرَادِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَجَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ يَعْنِي لِلصَّلَاةِ. قَالَ: وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَفِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ وَأَشَدُّ. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>