ثُمَّ وَصَفَ النَّاظِمُ ذَاتَ الدِّينِ الْمَرْغُوبَ فِي نِكَاحِهَا بِأَوْصَافٍ زَائِدَةٍ عَلَى كَوْنِهَا دَيِّنَةً فَقَالَ (الْوَدُودَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَّكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ وَكَذَا وَلُودٌ كَصَبُورٍ بِمَعْنَى صَابِرٍ أَيْ وَادَّةٌ لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُحِبُّهُ (الْوَلُودُ الْأَصْلِ) أَيْ الَّتِي مِنْ أَصْلِ ذَوَاتِ أَوْلَادٍ يَعْنِي أُمَّهَاتِهَا ذَوَاتِ أَوْلَادٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أَصَبْت امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ وَمَالٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نِسَاءَهَا كَثِيرَاتُ الْأَوْلَادِ، لِأَنَّ فَعُولٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ (ذَاتَ) أَيْ صَاحِبَةَ (التَّعَبُّدِ) أَيْ الْعِبَادَةِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَالتَّأَلُّهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَلْقِ الْعِبَادَةُ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] .
حَسِيبَةُ أَصْلٍ مِنْ كِرَامٍ تَفُزْ إذًا بِوُلْدٍ كِرَامٍ وَالْبَكَارَةَ فَاقْصِدْ (حَسِيبَةَ أَصْلٍ) الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك، أَوْ الْكَرَمُ أَوْ الشَّرَفُ فِي الْفِعْلِ أَوْ الْفِعَالُ الصَّالِحَةُ، أَوْ الشَّرَفُ الثَّابِتُ فِي الْآبَاءِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ قَدْ يَكُونَانِ لِمَنْ لَا آبَاءَ لَهُ شُرَفَاءُ، وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِهِمْ. وَفِي الْمَطَالِعِ: حَسَبُ الرَّجُلِ آبَاؤُهُ الْكِرَامُ الَّذِينَ تُعَدُّ مَنَاقِبُهُمْ وَتُحْسَبُ عِنْدَ الْمَفَاخِرِ، انْتَهَى.
وَفِي الْمُطْلِعِ: الْحَسِيبَةُ هِيَ النَّسِيبَةُ. وَأَصْلُ الْحَسَبِ الشَّرَفُ بِالْآبَاءِ وَمَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِهِمْ، يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ حَسِيبَةً مِنْ جِهَةِ أَصْلِهَا.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَسِيبَةَ كَذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ أَصْلٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا حَشْوٌ لِلْوَزْنِ أَوْ لِزِيَادَةِ التَّنْصِيصِ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَافِحٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا زَادَهَا احْتِرَازًا مِنْ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْمَالِ وَالدِّينِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute