حَالَةٍ لَا يَلْتَذُّونَ بِهَا وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَرْكَهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْشِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ.
وَلِيَعْلَمَ الْعَاقِلُ الْمُؤْمِنُ أَنَّ الْهَوَى حِظَارُ جَهَنَّمَ الْمُحِيطُ بِهَا حَوْلَهَا، فَمَنْ وَقَعَ فِيهِ وَقَعَ فِيهَا، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» .
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَرْسَلَ إلَيْهَا جِبْرِيلُ فَقَالَ اُنْظُرْ إلَيْهَا، وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَجَاءَ فَنَظَرَ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَالَ وَعِزَّتُك لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عِبَادِك إلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، وَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهَا فَانْظُرْ إلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ وَعِزَّتُك لَقَدْ خَشِيت أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: اذْهَبْ إلَى النَّارِ فَانْظُرْ إلَيْهَا، وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتُك لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهَا، فَرَجَعَ إلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَالَ: وَعِزَّتُك لَقَدْ خَشِيت أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى» . وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ هَوًى مُتَّبَعًا.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: مُخَالَفَةُ الْهَوَى تُورِثُ الْعَبْدَ قُوَّةً فِي بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْغَالِبُ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ وَحْدَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَكُلَّمَا تَمَرَّنَ عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ اكْتَسَبَ قُوَّةً عَلَى قُوَّتِهِ، وَبِمُخَالَفَتِهِ لِهَوَاهُ تَعْظُمُ حُرْمَتُهُ وَتَغْزُرُ مُرُوءَتُهُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ: الْمُرُوءَةُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانُ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذَا أَشْكَلَ عَلَيْك أَمْرٌ أَنْ لَا تَدْرِيَ أَيَّهمَا أَرْشَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute