ولم يأت في هذا شيء أعلى ولا أَبْيَن من أمر الحسين، وما فعله عليٌّ في أمره، لأنه حلق رأس الحسين وهو محرم، ونَسَك عنه نسيكة في موضعه، فجاء فعل لا يمكن التأويل فيه، إذ كان عامة الأحاديث من قول عطاء وطاوس وغيرهم تحتمل التأويل، لأنهم ربما أرادوا الدم من الجزاء للصيد، فيَتَوَهَّم السامع أنهم أرادوا نَسِيكَةَ الأذى، مع أن أسانيدها ضِعاف مضطربة، وليس على نسيكة هدي، فما كان هديًا فحكمه البلاغ.
ومن النسائك: الأضاحي، والعقيقة، وفدية الأذى، فكل هذه ليست بهدي، وتجوز في كل مكان من مكة وغيرها لأنها حيث كانت فهي نسيكة، ومن قال: لا تكون إلا بمكة، توهَّم أنها بمنزلة الهدي، وليس مجراها مجرى الهدي.
قال اللَّه عز وجل:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥].
وقال اللَّه تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، فشرط في الهدي أن يبلغ محله، وأطلق ما سواه من الصيام والصدقة والنسك.
وقال اللَّه تبارك وتعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح: ٢٥]، ولم يقل في النسك شيئًا من ذلك.
وكل شيء يُهدى فإنما يُهدى من موضع إلى موضع، والنُّسُك يكون في كل موضع، الأضاحي (١) في كل بلد وهي نسك.