للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل في بعض الحديث: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}: إن من توصل إليهم فله مثل عهدهم.

وأحسب أن هذه الآيات نزلت -فيما يقال- في قوم من أشجع (١).

وقد قيل: في قوم من بني مدلج كان بينهم وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عهد فقال تبارك اسمه: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: ٩١]، وقال تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الآيات، فهذا كلُّه يدل على ما ذكرنا، وكان الناسخ لأمر المواثيق ما وصفنا، واللَّه أعلم.

وليس يجب أن تقاس دية المعاهد على دية من كان بينه وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ميثاق، لأنهم لم يكونوا ذمة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا أوطأهم يومئذ عليه، ولما قيل: {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} دلّ على التّساوي بينهم في الديات وغيرها من الأمور التي تحدث، إلا أن يشترطوا في ذلك شرطًا فيه خُصوصٌ لبعضهم، وما لم يشترط الخصوص فهو على التساوي، وليس يشبه هؤلاء أهلَ الذمة، لأن أهل الذمة إنما قهرهم المسلمون حتى أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فدياتهم تجري على ما أعطاه المسلمون.

فمن ذلك أنهم جعلوا دية المجوس أقل من دية اليهود والنصارى، فروى عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عَقْل الكافر نصف عقل المؤمن" (٢).


(١) ابن جرير عن السدي، قال: ثم ذكر نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يُأمن في المسلمين والمشركين، ينقل الحديث بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} يقول: إلى الشرك.
(٢) رواه أبو داود (٤٥٨٣)، أول كتاب الديات، باب في دية الذمي (ت الأرناؤوط) =

<<  <  ج: ص:  >  >>