للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزُّهْري روى حديثَ محمود بن الربيع، عن عُبادة وفَهْمه، وكان يقرأ خلف الإمام فيما خافت فيه، وكان لا يقرأ فيما جهَر.

وكيف يجوز لذي لُبٍّ أن يتوهَّم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعَلِّم أصحابَه أن الصلاة لا تُجزِئهم إلا بقراءة، وهم يُصَلّون معه خمسَ صلوات في كل يوم وليلة، ثم يخالفه أصحابه الذين صلوا معه وفقهاءُ الناس منهم؟ هذا ما لا ينبغي أن يتوهَّمه ذو دِين ومعرفة.

وقد روى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج، غيرُ تَمام"، قال: قلت: يا أبا هريرة، إني أحيانًا أكون وراء الإمام، قال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك (١). ولم يذكر أبو هريرة صلاة جهر.

وقد يجوز أن يكون ذلك في الصلاة العَجْماء، ولو كان في الجهر لجاز، لأن القراءة في النفس عرْض على القلب، ولا بأس بعرْض المأموم قراءة الإمام على قلبه، فإنه مع الاستماع زيادةُ تَعَلُّم.

وجاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه أمر بالقراءة، وجاء عنه أنه نهى عن القراءة خلف الإمام، فجاز أن يكون الأمر في المخافتة، واللَّه أعلم.

وقد روى سفيان، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عُبادة، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب" (٢).


(١) من حديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي"، تقدم تخريجه (١/ ٧٠).
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم ٧٥٦، كتاب: الأذان، باب: وجوب القراءة لإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم في صحيحه (٢/ ٨ - ٩)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>