وتابعه على ذلك سعيد بن جبير، وإبراهيم، وروايته عن مسروق تخالف الأول، وعن الحسن مثل ذلك (١).
فأما حديث عمرو بن شعيب فقد ذكرنا ما فيه، وفيه أيضًا:"خائن وخائنة"، وكلنا يجيز شهادتهما إذا تابا، وتوبة القاذف مخالفة لتوبة الخائن، وسائرِ المحدودين في الحدود كلِّها، لأن توبة القاذف إكذاب نفسه، وتوبة الآخرين بأفعال تَظهَر منهم وندم.
وأما مسروق، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، فعنهم اختلاف وقد ذكرناه.
وأما شُريْح، وإبراهيم، فكان عندهما أن توبة القاذف تكون كتوبة غيره، تخفى عنهم، لقولهما: إنها بينه وبين ربه عز وجل.
وهذا قول من لم يتأمل أمر القاذف، القاذف لم نجلده لأنه كاذب لا محالة، قد يجوز أن يكون في قذفه بَرًّا صادقًا، وإنما حَدَدَناه لخفاء صدقه، وعجزه عن الشهداء، وأنه قد كان يجوز له ستر ما علمه إن كان علمه، بل يلزمه ذلك إذا لم تدعه إليه ضرورة، كما تدعو الرجل في زوجته إذا رأى ذلك منها، فذلك مباح له الرمي، لأن له مخرجًا منه باللِّعان، فلما كان ذلك كذلك حددناه بظاهر الأمر، فتوبته رجوعُه عن القول، لم تَكْفِ فيه الحقيقة، كما لم نحُدَّه بالحقيقة.
وهذا القول يَلْزَمُ شريحًا القول به فيمن زنى وسرق وأشباه ذلك، إذا كانوا مُسْتَسِرِّين بفعلهم ألا تُقبل شهادتهم، لأن توبتهم بينهم وبين ربهم عز وعلا، وهو وغيره يقبلون شهادتهم إذا ظهر الخير منهم، وعُرِف بالظاهر الندم على ما كان منهم.
(١) انظر الروايات عنهم عند ابن جرير في تفسيره (٩/ ٢٦٨ - ٢٦٩).