للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال إسماعيل: أُتيت بالمدينة بمد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخُرِطَ لي على مقداره، فأتيت به البصرة فقدرته، فكان نصف كِيلَجة بكِيلَجة البصرة، يَرْجَح شيئًا يسيرًا.

ولم يُختلف في الوسق، وهو ستون صاعًا، وكذلك الأوقية أربعون درهمًا، فهكذا سبيل كل شيء، يُحَدّ مبلغه مما يحتاج الناس إليهم في دينهم.

وأمر الوضوء والصلاة أن يشار إلى ما يُعرف ويُوقف عليه، ونحن والناسُ جميعًا نعلم أن القِلال والجرار وما أشبه ذلك، ليس تُتخذ مكيالًا ولا معيارًا، وإنما تُتخذ آنية لما يجعل فيها، فتقع فيها الزيادةُ والنقصانُ، فكيف تجعل هذه مقدارًا لغيرها؟

ولقد تَعَفَّرَ الشافعي في ذلك حتى أتى بما حكايتُه تُغْني عن الاحتجاج عليه، فمنه أنه قال: وقال ابن جريج: وقد رأيت قِلال هَجَر، والقُلَّة تَسَعُ قِرْبَتين وشيئًا، ثم قال: وقد رأيت أن أجعل الشيء نصفًا، فإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجسًا، والقِربة مائة رِطْل، فيكون جميعُه خمسُمائة رَطْل (١).

وهو يقول هذا ويُقَدِّر، ويجعل ذلك سُنَّة، وهو في مذاهبه لا يُسوِّغ أبا بكر وعمرَ وعثمانَ وعليًّا أئمةَ المسلمين وفقهاءَ الدِّين أن يضعوا مثل هذه الشريعة، ثم يزعم أن كل قِربة تسَعُ مائة رَطْل، فليت شِعري هذه الغنم التي تساوت جلودُها، حتى لا تكون كل قربة تزيد على مائة رطْل ولا تنقص عنه، ومن أين له ومن أعطاه هذه المقادير؟ ثم يزعم أن خمسمائة رَطْل إلا رَطْلًا واحدًا (٢) بال فيه بائل أنه نجس، فإن صُبّ عليه رِطْل واحد ماءً صار طاهرًا، فهل يَسُوغ هذا في عقل أو يعقله ذو لب أن رِطْلا يطهِّر خمسمائة رطل؟ ! ثم يزعم أنه لو وُجد مائة إناء قد وقع في كل إناء منها فأرة، أن الآنية كلَّها نجسة، فإن جُمع جميعه في إناء واحد صار طاهرًا، فجعل النجاسات إذا اجتمعت طهرت.


(١) الرطل بالفتح والكسر، وهو مكيال معروف، انظر: اللسان (٦/ ١٧٠).
(٢) في الأصل: واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>