للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس تجب الكفارة إلا بالمَسيس، وإرادته توجب تقديمها ما دام مستديمًا للإرادة، فإن عَزَبَت الإرادة عنه بعد أن كان أراد وقَبِل أن يُكفِّر، سقطت عنه الكفارة، ولو أن رجلًا أراد الصلاة وجب عليه أن يتوضأ، فإن بدا له ولم تكن الصلاة وجبت للوقت زال عنه فرض الوضوء، إذ لا صلاة إلا بطهارة، وقد قيل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨]، فكان إذا أراد أن يقرأ وجب عليه أن يستعيذ، فإن بدا له سقطت عنه الاستعاذة، كذلك إذا أراد الوطء وجبت الكفارة، إذا استدام الإرادة الموصولة بالكفارة إلى ما حُظر عليه، فإن عدَل عن الإرادة زالت عنه الكفارة، كذلك لو طلَّق وقد مضى من صيامه بعضُه سقط الباقي.

فإن قيل: لم جعلت هذه الكفارة قبل المَسيس الموجب لها، ولم تُجعل كجزاء الصيد وقتل الخطأ وما أشبه ذلك؟

قيل لهم: تلك كفارات وجبت عن الأفعال المتقدمة لها، والقول في الظهار وإن كان منكرًا وزورًا، فلم يُوجِب اللَّه فيه كفارة إلا بِمُضامة الوطء والإرادة له المتصلة به، فلما وجبت وكان القول مانعًا من الوطء، غير موجب للكفارة، أوجب اللَّه عز وجل الكفارة، وجعلها موصلة إلى الوطء.

وقد أوجب اللَّه كفارة اليمين على من أراد الحِنْثَ، والحِنْثُ يوجبها، وإن قدمت جاز ذلك، وقد ذهب جماعة في كفارة اليمين، إلى تقديمها، منهم: سلمان، ومَسلمة بن مُخَلَّد، وابن عمر، ومحمد بن سيرين.

وزعم أبو حنيفة وأصحابه أنه لا بأس أن يطأ المظاهر قبل أن يُطعِم، لأنه لم يشرط في الإطعام ما شرط في العتق والصيام من قبل أن يتماسا (١)، وقد


(١) الذي عند الحنفية: "فإن من كانت كفارته بالإعتاق أو الصيام، فليس له أن يقربها حتى يكفر، لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، فإن جامع قبل أن يكفر استغفر اللَّه تعالى، ولم يعد حتى يكفر، لأنه ارتكب الحرام. . . وإن كانت كفارته بالإطعام، فليس له أن يجامعها قبل التكفير عندنا"، المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>