للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرط اللَّه عز وجل ذلك في خفي القرآن، ومنّ اللَّه بمعرفة ذلك على من حَباه واجتباه، فقال في العتق الذي يكون ناجزًا: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، وقال في الصيام الذي له أول وآخر: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، ولم يجعل له وإن ابتدأ في الصوم أن يغشى بالليل، وحظر عليه ذلك حتى يُتم الصيام كله، فاستغنى بما شرط في الكفارتين عن إعادة الشرط في الكفارة الأخرى، لأن صاحبها إن أطعم المساكين في وقت واحد، فهو كالمعتق الذي يكون فعله في وقت واحد، وإن أطعمهم متفرقين كان كالصائم الذي لصيامه أول وآخر، ولما قيل: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤]، عُلم أنه بَدَلٌ من الذي قبله، وأنه كلام مُضَمَّن بعضه من بعض، ومعطوف بعضه على بعض، وأنه حَلَّ محَلَّه ووقَع موقعه، فلما كانت الكفارة المُبدأ بذكرها والمثنى تبيحان الوطء وتُحلانه، كانت الكفارة التي تقوم مقامهما وتَحُل محلهما تُحِل له الغشيان، وإن كانت الكفارة الآخرة ليس حكمُها ذلك الحكم، فينبغي أن يكون الغشيان على أصل الحظر، كأنها جعلت عقوبة للكلام الذي تكلم به، وأن قد أُوجِبَت عليه حين تكلم بالظهار، وإن لم يعد لما قال، أو طلَّق أو لم يطلِّق.

فقولهم هذا قد يصير إلى أن المُظاهر قد جاز له أن يَغشى من قبل أن يكفِّر بالعتق أو الصيام، لأنه إذا ظاهر ثم لم يجد الرقبة ولم يستطع الصوم، وأبيح له الغشيان من قبل الإطعام، فقد غَشي وهو لا يدري أي الكفارات هي الواجبة عليه، وهم يقولون بعد هذا الغشيان أنه إن وجد الرقبة أعتق، وإن قدر على الصوم صام، فهذه مناقضة.

وإيجاب الغشيان قبل العتق مخالفة لظاهر القرآن وباطنه، لأن الإنسان قبل أن يكفر لا يدري ما يكون كفارةَ فعله من عتق أو صيام أو صدقة، وإنما يَعلم ذلك حين تقع الكفارة، بالابتداء فيها أو بالفراغ منها، وما لم يقع فهو أمر مغيب عنه لا يدري أي ذلك كفارتُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>