للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويكونوا وقودًا لها، ويعود ذلك بالضرر على الأمة في ثباتها على دينها ووحدتها.

والشواهد على هذا المنهج من حياة السلف من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم كثيرة معلومة:

فعن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- قال: يا أيها الناس، اتهموا أنفسكم؛ فإنا كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبيَة، ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ قال: «بلى». قال: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: «بلى». قال: فعلام نعطي الدَّنيَّةَ في ديننا؟ أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: «يا ابنَ الخطابِ، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدًا». فانطلق عمر إلى أبي بكر، فقال له مثل ما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبدًا. فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عمر إلى آخرها، فقال: وفتحٌ هو؟ قال: «نعم» (١).

وفي حديث المِسْوَر بن مَخْرَمة ومَرْوان بن الحكم: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: ألست نبي الله حقًّا، قال: «بلى»، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى»، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: «إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري»، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتُك أنَّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا. قال: «فإنك آتيه ومطوِّف به»، قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغَرْزِه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعمِلت لذلك أعمالًا (٢).

وفي رواية أحمد: «ثم قال عمر: ما زلت أصوم، وأتصدق، وأصلي، وأُعتِق من الذي صنعتُ؛ مخافةَ كلامي الذي تكلمتُ به يومئذ، حتى رجوت أن يكون خيرًا».


(١) أخرجه البخاري في الجزية (٣١٨٢)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٨٥)، وأحمد ٣/ ٤٨٥ (١٥٩٧٥).
(٢) أخرجه البخاري في الشروط (٢٧٣١)، وأحمد ٤/ ٣٢٥ (١٨٩٢٨).

<<  <   >  >>